هل يمكن للرجال والنساء أن يصلّوا بملابس حماية لكامل الجسم؟ وكيف يمكن للشخص أن يُكمل الطهارة وهو يلبسها في حال نقض الوضوء ولا يستطيع فتح البدلة، خاصة الأطباء المشغولين في الخدمة؟
الحمد لله.
أولا:
لا حرج في الصلاة بملابس الحماية من الفيروسات، ولو غطت الوجه وسائر البدن، ما دام يمكن المصلي أن يضع أنفه وجبهته على الأرض في السجود؛ لما روى البخاري (812) ومسلم (490) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء. قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله ، فالصلاة صحيحة رواية واحدة . وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة . وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد : عطاء وطاوس والنخعي والشعبي والأوزاعي ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي .
ورخص في السجود على كور العمامة : الحسن ومكحول وعبد الرحمن بن يزيد . وسجد شريح على برنسه " انتهى من "المغني" (1/305).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يلبس نظارات كبيرة جداً ، لا تمكنه من السجود كاملاً على الأعضاء السبعة فقد تحول دون الأنف.
فأجاب : " إن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان ، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود ، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (13/ 186).
ويكره تغطية الفم أثناء الصلاة، لكن تزول الكراهة عند الحاجة.
قال في "الشرح الممتع" (2/ 193): " قوله: واللِّثَامُ على فَمِه وأَنْفِه، أي: يُكره اللِّثام على فَمِهِ وأنفه بأن يضع الغُترة أو العِمَامة، أو الشِّماغ على فمه، وكذلك على أنفه؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهَى أن يُغطِّيَ الرَّجلُ فَاه في الصَّلاة [رواه أبو داود (643)، وابن ماجه (966) بسند حسن]، ولأنه قد يؤدِّي إلى الغمِّ وإلى عدم بيان الحروف عند القِراءة والذِّكر. ويُستثنى منه ما إذا تثاءب وغَطَّى فمه ليكظم التثاؤب فهذا لا بأس به، أما بدون سبب فإنه يُكره، فإن كان حوله رائحة كريهة تؤذيه في الصَّلاة، واحتاج إلى اللِّثام فهذا جائز؛ لأنه للحاجة، وكذلك لو كان به زُكام، وصار معه حَساسية إذا لم يتلثَّم، فهذه أيضاً حاجة تُبيح أن يتلثَّم" انتهى.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(69855) .
ثانيا:
لا حرج أن يتوضأ الإنسان وهو لابس بدلة الحماية ، إذا أمكنه غسل أعضاء الوضوء ، ومسح الرأس ، ولو بإدخال يده بالماء إلى داخل البدلة، ويجوز أن يمسح على الخفين والجوربين يوما وليلة إذا كان مقيما، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافرا.
روى البخاري (363) ومسلم (274) عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: يَا مُغِيرَةُ خُذِ الإِدَاوَةَ ، فَأَخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى".
وعند مسلم: " وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ".
فمن أمكنه الوضوء وهو لابس بدلة الحماية فلا حرج.
ومن لم يمكنه ، فلا بد له من نزعها لتتم له طهارته.
فإن حصل حرج ومشقة لا سيما للأطباء الذين يضطرون لذلك أكثر الوقت ، جاز لهم الجمع بين الظهرين والعشاءين تقديما أو تأخيرا؛ لأن من أساب الجمع: رفع الحرج والمشقة كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة في الجمع لمشقة التطهر لكل صلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقصر سببه السفر خاصة، لا يجوز في غير السفر. وأما الجمع فسببه الحاجة والعذر، فإذا احتاج إليه جمع في السفر القصير والطويل.
وكذلك الجمع للمطر ونحوه، وللمرض ونحوه، ولغير ذلك من الأسباب؛ فإن المقصود به رفع الحرج عن الأمة " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/ 293).
والله أعلم.