يدخل بعض النمل إلى مسحوق العصير، وأعتقد أنهم ماتوا، فإذا سقطت حشرات مثل النمل ، الذباب ، البعوض الخ ... أو دخلت في الأطعمة أو الأشربة ميّتة أو حيّة، فهل يمكننا أن نأكل أو نشرب هذا الطعام أم أحتاج إلى فصلها عن الطعام قبل الأكل أو الشرب؟
الحمد لله.
أولا:
حرّم الشرع الخبائث.
قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ الأعراف/57.
والحشرات من الأطعمة التي كان يستخبث أكلها العرب زمن نزول الوحي، والذين خوطبوا بهذا القرآن أولا.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" قوله سبحانه: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ). وما عدا هذا، فما استطابته العرب، فهو حلال؛ لقول الله تعالى: ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ). يعني يستطيبونه دون الحلال، بدليل قوله في الآية الأخرى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )؛ ولو أراد الحلال لم يكن ذلك جوابا لهم.
وما استخبثته العرب، فهو محرم؛ لقول الله تعالى ( وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ).
والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز، من أهل الأمصار؛ لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب، وخوطبوا به ، وبالسُّنَّة، فرجع في مطلق ألفاظهما إلى عرفهم دون غيرهم، ولم يعتبر أهل البوادي؛ لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا...
إذا ثبت هذا، فمن المستخبثات الحشرات، كالديدان، والجعلان، وبنات وردان، والخنافس، والفأر، والأوزاغ، والحرباء، والعضاة، والجراذين، والعقارب، والحيات.
وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي... " انتهى من"المغني" (13 / 316 - 317).
وهذا القول هو قول جمهور أهل العلم.
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
" واتفقوا على أن حشرات الأرض محرمة.
إلا مالكا؛ فإنه كرهها من غير تحريم في إحدى الروايتين وفي الأخرى قال: هي حرام " انتهى من"اختلاف الأئمة العلماء" (2 / 335).
وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (21901).
ثانيا:
وبناء على ما سبق؛ فعليكم فصل هذه الحشرات وإزالتها من الطعام لخبثها.
وهذا إذا كانت ازالتها مستطاعة لا مشقة فيها؛ لظهور هذه الحشرات وتميزها.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً رواه البخاري (3320).
لكن إن كانت هذه الحشرات يسيرة ، وصغيرة يشق تتبعها، فيعفى عنها، لأن الشرع جاء برفع الحرج وما فيه عسر.
قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة /185.
وقال الله تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة/6.
قال المرداوي رحمه الله تعالى:
" واختار الشيخ تقي الدين: العفو عن يسير جميع النجاسات مطلقا، في الأطعمة وغيرها. حتى بعر الفأر. قال في "الفروع": ومعناه اختيار صاحب "النظم". قلت: قال في "مجمع البحرين": قلت: الأَوْلَى العفو عنه في الثياب، والأطعمة، لعظم المشقة. ولا يشك ذو عقل في عموم البلوى به. خصوصا في الطواحين، ومعاصر السكر، والزيت، وهو أشق صيانة من سؤر الفأر، ومن دم الذباب. ونحوه، ورجيعه، وقد اختار طهارته كثير من الأصحاب " انتهى من"الإنصاف" (2 / 334 - 335).
والله أعلم.