سمعت بأنه إذا ناداني شخص من خلفي أو عند خروجي من مكان ما فيجب أن أجلس لعدة لحظات وإلا لازمني الحظ السيئ فهل هذا صحيح ؟.
الحمد لله.
ما سمعته غير صحيح ، بل إن ذلك من التطيّر الذي هو : ( التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم ) وهو من عمل أهل الجاهلية والمشركين ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم .
وقد ذمّ الله تعالى أولئك به فقال تعالى : ( ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون ) الأعراف /131 ، وقال أيضاً : ( قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ) يس/19 .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التطيّر وأخبر أنه من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب لكون الطيرة من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ، وقد جاء نهيه عنها في غير ما حديث ، فمن ذلك :
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ولا طيرة ) رواه البخاري ( 5757 ) ومسلم ( 102 )
- وما رواه أبو داود ( 3910 ) والترمذي ( 1614 ) وصححه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً : ( الطيرة شرك ، الطيرة شرك ، وما منّا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل ) وقوله : ( وما منا إلا ... ) إلخ ، من كلام ابن مسعود ، وليس من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ومعناه : ما منا من أحد إلا وقد يقع في قلبه شيء من الطيرة والتشاؤم إلا أن الله تعالى يذهب ذلك من القلب بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه .
- وما جاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل قالوا : وما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة ) رواه البخاري ( 5756 ) ومسلم ( 2220 ) .
فهذه الأحاديث صريحةٌ في تحريم الطيرة وأنها من الشرك ، لما فيها من تعلّق القلب على غير الله تعالى ، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أنها تجلب لهم نفعاً أو تدفع عنهم ضراً إذا عملوا بموجبها ، فكأنّهم بذلك أشركوا مع الله تعالى ، فنفاها الشارع وأبطلها وأخبر أنه لا تأثير لها في جلب نفع أو دفع ضر .
إذا ثبت هذا ، فإنْ وقع لك شيء من ذلك فعليك أن تتقي الله وأن تتوكل عليه وأن تستعين به وألاّ تلتفت إليه ، وأن تعالج هذا الأمر بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك فيما أخرجه أبو داود بسند صحيح ( 3919 ) عن عروة بن عامر رضي الله عنه قال : ( ذُكِرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنها الفأل ، ولا تردّ مسلماً ، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده ( 2 / 220 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 1065 ) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : ( من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ، قالوا : وما كفارة ذلك ؟ قال : أن تقول : اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك ) .
ثم اعلم أن الطيرة لا تضرّ من تركها ومضى في طريقه وفيما عزم عليه من أمره ، وأمّا من لم يخلص توكّله على ربه واسترسل مع الشيطان في وساوسه فقد يُعاقب بالوقوع فيما يكرهه ، لأنه أعرض عن الإيمان الواجب بالله تعالى ، قال الله تعالى : ( ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك ) النساء /79 .
وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين :
الأولى : إما أن يستجيب لها ، بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علّق أفعاله بما لا حقيقة له.
الثانية : أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي ، لكن يبقى في نفسه نوع من الهمّ أو الغمّ .
وهذا وإن كان أهون من الأول ، لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً وأن يكون معتمداً على الله عز وجل . المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين 2/210 .