كيف نجمع بين حديثي عائشة رضي الله عنها الآتيين ؟ : الأول قالت: " اشتريت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله ﷺ قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله وإلى رسوله ما أذنبت، قال: (ما بال هذه النمرقة؟) فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال رسول الله ﷺ: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم). وبين الحديث الثاني قالت رضي الله عنها: "قدم رسول الله ﷺ من سفر، وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله ﷺ هتكه، وقال: (أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله)، قالت فجعلناه وسادة أو وسادتين". خرجه البخاري ومسلم. ففي الحديث الأول كره النبي صلى الله عليه وسلم الوسادة التي عليها تصاوير، وفي الحديث الثاني جعلت عائشة رضي الله عنها الستارة التي عليها تصاوير أيضا جعلتها وسادة.
الحمد لله.
أولا:
الحديثان صحيحان.
فالحديث الأول أخرجه البخاري في "صحيحه" (2105)، ومسلم في "صحيحه" (2107)، من حديث القاسم بن محمد، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ:" أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى البَابِ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ، وَقَالَ: إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ .
والحديث الثاني أخرجه البخاري في "صحيحه" (5954)، ومسلم في "صحيحه" (2107)، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت:" قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ ".
ثانيا:
الحديثان ظاهرهما التعارض، وذلك لأن الحديث الأول - وهو حديث النمرقة – ذكرت عائشة رضي الله عنها إنكار النبي صلى الله عليه وسلم وكراهيته لتلك الصور، ولم تذكر أنها استعملته بعد ذلك، فبقي الحديث على عمومه، واستدل به على حرمة الصور سواء كانت في جدار، أو ثوب، أو بساط.
قال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/1028):" فيه: بيان أنّ الصور أين ما وُجِدت في سَقْف بيت، أو وَجْه جِدار، أو فِراش، أو بِساط، كان لها شخصٌ ماثِل، أو لم يكُن فهي مُحرّمة ".
وأما الحديث الثاني – وهو حديث القرام – فقد ذكرت عائشة رضي الله عنها إنكار النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها استعملته كوسادة بعدما قطعه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر في "فتح الباري" (10/390):" وَظَاهِرُ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ هَذَا وَالَّذِي قبله التَّعَارُض، لِأَن الَّذِي قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ السِّتْرَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ، بَعْدَ أَنْ قُطِعَ وَعُمِلَتْ مِنْهُ الْوِسَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَصْلًا ".
وقد تلمس أهل العلم سبلا للجمع بين الحديثين، وسلك كل فريق ما ترجح عنده، ومن ذلك ما يلي:
القول الأول:
أن حديث النمرقة وكراهية النبي صلى الله عليه وسلم لها كان عند كونهم حديثي عهد بالجاهلية وعبادة الأصنام، فلما استقر الإسلام في قلوبهم، أباح النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الصور الرقم في الثوب، فيكون حديث النمرقة منسوخا.
ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" (2106)، من حديث بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيِّ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ".
قال المازري في "المعلم بفوائد مسلم" (3/135):" قال بعض أصحابنا: إنّ ما وقع في حديث عائشة - رضي الله عنها - من كراهة الصّور المرقومة: يحتمل أن يكون كان ذلك أوّلا، عند كونهم حديثي عهد بالجاهليّة وعبادة الصُّور، فلماّ طال الأمر وأمِن عليهم، أباح الرّقم في الثّوب، ويكون ذلك كالنّاسخ لما وقع في حديث عائشة - رضي الله عنها -، ولم يحرّم مالك من الصّور المرقومة ما كان يمتهن، لأنّ امتهانه ينافي تعظيمه على حسب ما كانت الَجاهلية تعظّم بعض الصور".
القول الثاني:
أن الأصل التحريم لحديث النمرقة، وأن ما حدث في حديث القرام أن النبي صلى الله عليه وسلم هتكه حتى لم يعد هناك معلم للصور، وخرجت الصورة عن هيئتها، فجاز استعماله، لأن الصورة الرأس، فإن قطعت الرأس فلا صورة.
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (6/639):" قال بعض العلماء: إن رأس الصورة إذا قطعت فهو تغيير لها، ويباح اتخاذها حينئذ. وقد جاء في هذا أثر ذكره أبو داود، وعليه تأول بعضهم اتخاذ القرام وسائد ؛ إذ لعله في قطعه وهتك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، تقطعت صورته وانقسمت أشكالها، فلم يبق منها في وسادة منها صورة كاملة، وهذا يقوله من يمنعها في الممتهن وغيره، وإذا كان هذا، لم تكن فيه حجة في جواز اتخاذها فيما يمتهن ".
وقال ابن العربي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (3/1146): "بابُ الصُّور، هذا بابُ عظيم لا يمكن استيفاؤه هنا، استوفيناه في مكانِه في شرح الحديث، والأحاديث فيه متعارضة. ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(إن الملائكة لا تدخلُ بيتًا فيه كلب ولا صورة)، وروي عنه إلا ما كان رقمًا في ثوب، وقد روي في أمرِ النمرقة أنه قالت له عائشة رضي الله عنها: اشريتها لك لتقعدَ عليها وتتوسدها، فقال: (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم)، وروي أنه قام على الباب فرأى سترًا فرجع، قال فقطعناه، فاتخذنا منه نمارَق.
وكل هذا صحيح، وهو متعارض، ولَم يُعرف منه المتقدم من المتأخر، فوجبَ أن ينظرَ فيه. والذي يستقرَ الآن عندي: أنه إذا فصّل وقطع: جاز بلا كلام.
وإن كان رقماً ولم يكن مجسدًا: ففيه إشكال ؛ أقواه: أنه يجوز، لأنه نصٌ في الإباحة بعدَ التحريم". أ.هـ
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (10/390):" وَظَاهِرُ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ هَذَا وَالَّذِي قبله التَّعَارُض، لِأَن الَّذِي قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ السِّتْرَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ بَعْدَ أَنْ قُطِعَ وَعُمِلَتْ مِنْهُ الْوِسَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ أَصْلًا.
وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ اتِّخَاذِ مَا يُوطَأُ مِنَ الصُّوَرِ، جَوَازُ الْقُعُودِ عَلَى الصُّورَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعْمَلَ مِنَ الْوِسَادَةِ مَا لَا صُورَةَ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاتِّكَاءِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ: بِأَنَّهَا لَمَّا قَطَعَتِ السِّتْرَ، وَقَعَ الْقَطْعُ فِي وَسَطِ الصُّورَةِ مَثَلًا ؛ فَخَرَجَتْ عَنْ هَيْئَتِهَا ؛ فَلِهَذَا صَارَ يَرْتَفِقُ بِهَا ".
القول الثالث:
أن حديث النمرقة يحمل على إذا ما كانت الصورة في شيء منصوب غير ممتهن، كالجدار والستر ونحو ذلك، ويحمل حديث القرام على جواز ذلك فيما يمتهن من الوسادة ونحوها، وهذا قول الجمهور.
قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/486): "جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ قَدْ ذَهَبُوا هَذَا الْمَذْهَبَ فِيمَا يُوطَأُ وَيُمْتَهَنُ بِالِاتِّكَاءِ وَشِبْهِهِ؛ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَنَّهُ خِلَافُ المنصوب.
ذكر بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ أَبَاهَا جَاءَ مِنْ فَارِسَ بِوَسَائِدَ فيها تماثيل، فكنا نبسطها.
وعن ابن فُضَيْلٍ عَنِ لَيْثٍ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ حَمْرَاءَ فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه.
وعن ابن الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَتَّكِئُ عَلَى الْمَرَافِقِ الَّتِي فِيهَا التَّمَاثِيلُ الطير والرجال.
وعن ابن عُلَيَّةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانُوا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بما وطىء وبسط من التصاوير.
وكان ابن سِيرِينَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ فِي التَّصَاوِيرِ فِي الْوَسَائِدِ وَالْبُسُطِ الَّتِي تُوطَأُ: هُوَ أَذَلُّ لَهَا.
قَالَ وَكَانُوا يَكْرَهُونَ مَا نُصِبَ مِنَ التَّمَاثِيلِ، وَلَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِمَا وطئته الْأَقْدَامُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ بَأْسًا بِمَا يُوطَأُ وَيُبْسَطُ مِنَ الصُّوَرِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ (أي ابن عبد البر): هَذَا الْمَذْهَبُ أَوْسَطُ الْمَذَاهِبِ فِي هَذَا الْبَابِ ".
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (6/633):" وذهب آخرون إلى كراهة ما كان منها في غير ثوب، وكراهة ما كان منها في ثوب لا يمتهن أو يعلق، لنصبه منصب العبادة، وعادة الكفار المعظمين لها، وأجازوا ما كان من ذلك رقماً في ثوب يمتهن ويوطأ، وحجتهم: هتك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرام، واستعماله للوسادتين منه بعد ذلك، واتكاؤه على إحداهما على إحداهما على ما جاء في الأحاديث.
وهو أوسط الأقاويل وأصحها، والجامع للأحاديث المختلفة في ذلك، وهو قول كثير من الصحابة والتابعين، وقول مالك والثوري وأبى حنيفة والشافعي ".
وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/81):" وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْمُصَوَّرِ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ: فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ، أَوْ ثَوْبًا ملبوسا أو عمامة، ونحو ذلك مما لا يعد مُمْتَهَنًا: فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاطٍ يُدَاسُ، وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْتَهَنُ: فَلَيْسَ بِحِرَامٍ.
وَلَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ الْبَيْتَ؟ فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شاء الله.
ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل لَهُ.
هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ".
وقال البرهان ابن مفلح في "المبدع" (6/236):" (وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً، فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ: لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا أَنْ تُزَالَ) ؛ أَيْ: إِذَا كَانَتْ صُورَةُ الْحَيَوَانِ عَلَى السُّتُورِ وَالْحِيطَانِ، وَمَا لَا يُوطَأُ، وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا، أَوْ قَطْعُ رَأْسِهَا، فَعَلَ ذَلِكَ، وَجَلَسَ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ: انْصَرَفَ.
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنَزَعَهُ، قَالَتْ: فَقَطَعْتُهُ وِسَادَتَيْنِ يَرْتَفِقُ عَلَيْهِمَا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ....
(فَإِنْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً، أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ، فَلَا بَأْسَ بِهَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِهَانَةً لَهَا ؛ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ تَعْلِيقِهَا إِنَّمَا كَانَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ والإعزاز، وَالتَّشَبُّهِ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبُسُطِ ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّكِئًا عَلَى نُمْرُقَةٍ فِيهَا تَصَاوِيرُ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إِهَانَةً كَالْبُسُطِ " انتهى.
والذي يظهر: أن هذا القول الذي عليه الجمهور هو أعدل الأقوال، وبه تجتمع الأدلة، ولا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، والجمع ممكن ؛ فإن حديث النمرقة يدل بظاهره على المنع مما فيه صورة حيوان، لكن حديث ابن عباس الذي أخرجه الإسماعيلي في "معجم شيوخه" (291)، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1921)، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصُّورَةُ الرَّأْسُ، فَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلَا صُورَةَ يدل على أن الصورة إن قطع عنها الرأس فلم تبق هيئة صورة الحيوان زال المنع.
ويدل حديث القرام على أنه إذا كانت الصورة ممتهنة لا تعظم، فلا بأس بها، كما قدمنا، وبهذا تجتمع الأدلة.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم :(143709) .
والله أعلم