الحمد لله.
الصفات عند أهل السنة : ما يقوم بالذات، كالعلم والقدرة والرحمة، فهي قدر زائد على ما يفهم من "الذات" المجردة .
فإذا قلنا: سميع، أو يسمع، فالمراد: ذات متصفة بالسمع، وإذا قلنا: عليم، أو يعلم، فالمراد ذات متصفة بالعلم.
واعلم أنه لا توجد في الخارج – في الواقع - ذات مجردة عن الصفات، لكن الذهن يفرض ويقدّر ذلك، أي يقدّر وجود ذات مجردة، ليست موصوفة بشيء من الصفات، وأما في الخارج-خارج الذهن- فلا توجد ذات مجردة عن الصفات.
والمعتزلة نفوا الصفات بحجة فاسدة كاسدة ، وهي أن تعدد الصفات يلزم منه تعدد الآلهة ، أو القدماء أو الموصوفين، أو يلزمه منه مشاركة الصفات للذات في الإلهية، وهذا باطل عقلا ونقلا وحسا، فإننا نجد الذات الواحدة تتصف بعشرات الصفات، وهي ذات واحدة.
ولهذا كانوا يقولون: عالم بذاته، أو عالم بلا علم، وسميع بلا سمع.
ومن المعتزلة من قال: هو عالم بعلم هو ذاته. فجعل العلم هو الذات، وهذا هو القول بأن الصفات عين الذات.
قال الشهرستاني رحمه الله في بيان معتقد المعتزلة في الصفات: " والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد: القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته. ونفوا الصفات القديمة أصلا، فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته؛ لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة، ومعان قائمة به؛ لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف، لشاركته في الإلهية" انتهى من "الملل والنحل" (1/ 43).
ثم بين الفرق بين القولين السابقين فقال: " والفرق بين قول القائل: عالم بذاته لا بعلم، وبين قول القائل: عالم بعلم هو ذاته: أن الأول نفي الصفة، والثاني إثبات ذات هو بعينه صفة، أو إثبات صفة هي بعينها ذات. وإذا أثبت أبو الهذيل هذه الصفات وجوها للذات؛ فهي بعينها أقانيم النصارى، أو أحوال أبي هاشم" انتهى من "الملل والنحل" (1/ 50).
فالقول بأن الصفة عين الذات، قول لا يعقل، وهو سفسطة، وخلط بين الحقائق كخلط النصارى، أو كالأحوال التي اخترعها أبو هاشم الجبائي المعتزلي، وهي (صفات لا يقال فيها موجودة ولا معدومة، ولا قديمة ولا محدثة، ولا معلومة ولا مجهولة) ؛ وهذا محال، كما قال القائل:
مما يقال ولا حقيقـة تحـته * معقولـة تدنو لذي الأفهام
الكسب عند الأشعريْ، والحال عند البهشميِّ، وطفرة النظام
وأهل السنة يميزون بين مفهوم الصفة والذات، ويقولون: الله موصوف بالصفات، ولا يقولون: هي هو، أو هي غيره، لما في ذلك من الإجمال الذي يحتمل معنى فاسدا.
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في "شرح الطحاوية" (1/ 190):
"وكذلك مسألة الصفة؛ هل هي زائدة على الذات أم لا؟ لفظها مجمل، وكذلك لفظ "الغير" فيه إجمال، فقد يراد به ما ليس هو إياه، وقد يراد به ما جاز مفارقته له.
ولهذا كان أئمة السنة رحمهم الله تعالى لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره، ولا أنه ليس غيره؛ لأن إطلاق الإثبات [أي إذا قيل: الصفات غير الله] قد يشعر أن ذلك مباين له، وإطلاق النفي [أي إذا قيل: الصفات ليست غير الله] قد يشعر بأنه هو هو؛ إذ كان لفظ الغير فيه إجمال.
فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل:
فإن أريد به أن هناك ذاتاً مجردة ، قائمة بنفسها ، منفصلة عن الصفات الزائدة عليها، فهذا غير صحيح.
وإن أريد به : أن الصفات زائدة على الذات ، التي يفهم من معناها ، غير ما يفهم من معنى الصفة؛ فهذا حق، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها ، لا تنفصل عنها، وإنما يفرض الذهن ذاتاً وصفة ، كُلاً وحده، ولكن ليس في الخارج ذات غير موصوفة، فإن هذا محال، ولو لم يكن إلا صفة الوجود ، فإنها لا تنفك عن الموجود، وان كان الذهن يفرض ذاتاً ووجوداً، يتصور هذا وحده، وهذا وحده، لكن لا ينفك أحدهما عن الآخر في الخارج.
وقد يقول بعضهم: الصفة لا عين الموصوف ، ولا غيره، وهذا له معنى صحيح، وهو أن الصفة ليست عين ذات الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة ، بل هي غيرها، وليست غير الموصوف؛ بل الموصوف بصفاته شيء واحد غير متعدد.
والتحقيق :
أن يفرق بين قول القائل: "الصفات غير الذات"، وبين قوله: "صفات الله غير الله"، فإن الثاني باطل؛ لأن مسمى "الله" يدخل فيه صفاته، بخلاف مسمى "الذات" فإنه لا يدخل فيه الصفات؛ لأن المراد أن الصفات زائدة على ما أثبته المثبتون من الذات، والله تعالى هو الذات الموصوفة بصفاته اللازمة.
ولهذا قال الشيخ [أي الطحاوي] رحمه الله: (لا زال بصفاته) ، ولم يقل: لا زال وصفاته؛ لأن العطف يؤذن بالمغايرة.
وكذلك قال الإمام أحمد رحمه الله في مناظرته الجهمية: لا نقول: الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره، ولكن نقول: الله بعلمه وقدرته ونوره : هو إله واحد سبحانه وتعالى.
فإذا قلتُ: أعوذ بالله، فقد عذت بالذات المقدسة ، الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثابتة ، التي لا تقبل الانفصال بوجه من الوجوه.
وإذا قلت: أعوذ بعزة الله، فقد عذت بصفة من صفات الله تعالى ، ولم أعذ بغير الله.
وهذا المعنى يفهم من لفظ الذات: فان "ذات" في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة، أي ذات وجود، ذات قدرة، ذات عز، ذات علم، ذات كرم، إلى غير ذلك من الصفات، فذات كذا، بمعنى صاحبة كذا تأنيث ذو، هذا أصل معنى الكلمة، فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه، وإن كان الذهن قد يفرض ذاتا مجردة عن الصفات، كما يفرض المحال" انتهى.
وينظر: "الجواب الصحيح"، لابن تيمية (5/ 16).
والحاصل:
أن القول بأن الصفات عين الذات، قول باطل، وهو نفي للصفات وإثبات لذات مجردة، أو خلط وكلام فاسد لا حقيقة له.
والله أعلم.