ما ضابط تحجيم العورة عند لبس الرجل للتيشرت أو السروال خاصة عند الجلوس؟
الحمد لله.
أولا:
يجب على الرجل ستر عورته وهي ما بين السرة والركبة إلا عن زوجته وأمته؛ لما روى الترمذي (2794)، وأبو داود(4017)، وابن ماجه(1920) عن بَهْز بْن حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَاهَا قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ والحديث حسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ رواه الطبراني والدارقطني وأحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" برقم (271).
وروى أحمد (15927) عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جَرْهَدًا فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَةٌ قَدِ انْكَشَفَ فَخِذُهُ فَقَالَ: الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وحسنه محققو المسند.
وروى أحمد (1849)، وأبو داود (3150)، وابن ماجه (1460) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرِ الَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ وقال محققو المسند: صحيح لغيره، وصححه أحمد شاكر.
عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ رواه مسلم (338) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْظُر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَلَا الْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة , وَلَا يُفْضِي الرَّجُل إِلَى الرَّجُل فِي ثَوْب وَاحِد , وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد ) :
فيه تَحْرِيم نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل , وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة , وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ .
وَكَذَلِكَ نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ .
وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل ، عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة ، وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى .
وَهَذَا التَّحْرِيم فِي حَقّ غَيْر الْأَزْوَاج وَالسَّادَة ، أَمَّا الزَّوْجَانِ : فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا النَّظَر إِلَى عَوْرَة صَاحِبه جَمِيعهَا " انتهى .
ثانيا:
ستر العورة يكون بما لا يشف عن اللون، ولا يصف الحجم؛ لأنه مع شيء من ذلك لا يكون الستر، وتقع به الفتنة في النظر.
وقد دل على هذا الشرط: ما روى أحمد (21786)، والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة" (1/ 441)، والبيهقي عن أُسَامَةَ بن زيد، قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهَا، فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا وحسنه الألباني في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 131).
قال الباجي رحمه الله في "المنتقى شرح الموطأ" (7/ 224) في بيان معنى "الكاسيات العاريات": " وفي العتبية عن ابن القاسم: عاريات: تلبسن الرقيق.
ويحتمل عندي، والله أعلم: أن يكون ذلك لمعنيين:
أحدهما: الخفة، فيشف عما تحته، فيدرك البصر ما تحته من المحاسن.
ويحتمل: أن يريد به الثوب الرقيق الصفيق، الذي لا يستر الأعضاء، بل يبدو حجمها.
(فرع) قال مالك - رحمه الله - بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى النساء أن يلبسن القباطي، قال: وإن كانت لا تشف؛ فإنها تصف.
قال مالك: معنى تصف أي تلصق بالجلد.
وسئل مالك عن الوصائف يلبسن الأقبية ؟
فقال: ما يعجبني ذلك، وإذا شدتها عليها ظهر عجُزها.
ومعنى ذلك: أنه لضيقه يصف أعضاءها، عجُزها وغيرها مما شرع ستره والله أعلم وأحكم" انتهى.
والضابط في تحجيم العورة الممنوع: هو لبس الضيق الذي يبرز حجم العورة وتفاصيل الأعضاء، الألية، والذكر، والفخذين، وبعض هذه السراويل من القبح بمكان، لا يتصور أن يلبسها عاقل أمام الرجال أو النساء.
وأما السراويل الواسعة التي لا تظهر ذلك، فلا حرج في لبسها.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/ 430) : " الأصل في أنواع اللباس الإباحة ؛ لأنه من أمور العادات ، قال تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ، ويستثنى من ذلك : ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال ، والذي يصف العورة لكونه شفافاً يُرى من ورائه لون الجلد ، أو ككونه ضيقا يحدد العورة ؛ لأنه حينئذ في حكم كشفها ، وكشفها لا يجوز.
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/40) : "الأصل في الملابس أنها جائزة ، إلا ما استثناه الشرع مطلقاً ؛ كالذهب للرجال وكالحرير لهم ، إلا لجرب أو نحوه ، ولبس البنطلون ليس خاصاً بالكفار ، لكن لبس الضيق منه، الذي يحدد أعضاء الجسم حتى العورة: لا يجوز .
أما الواسع فيجوز ؛ إلا إذا قصد بلبسه التشبه بمن يلبسه من الكفار .
وكذا لبس البدلة ورباط العنق (الكرفتة) ليس من اللباس الخاص بالكفار ، فيجوز ، إلا إذا قصد لابسه التشبه بهم .
وبالجملة ؛ فالأصل في اللباس الجواز؛ إلا ما دل الدليل الشرعي على منعه كما تقدم.
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .
والله أعلم.