الحمد لله.
لا بأس بتعلم اللغات الأجنبية إذا كان ذلك لمنفعة دينية أو دنيوية .
سُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" هل تعلم اللغة الإنجليزية حرام أم حلال؟
فأجابت: إذا كان هناك حاجة دينية أو دنيوية إلى تعلم اللغة الإنجليزية، أو غيرها من اللغات الأجنبية؛ فلا مانع من تعلمها، أما إذا لم يكن حاجة فإنه يكره تعلمها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/133).
لكن المباح قد يعرض له ما يجعله منهيا عنه، كنيّة فاسدة أو إنتاجه لآثار سيئة، وبالنظر لهذين الأمرين، نجد حال المسلمين في تعليم أولادهم للإنجليزية على ضربين:
الضرب الأول:
أنه يهوى تعليم أولاده الإنجليزية افتتانا بها وبأهلها، فيعجبه رطانة أولاده بهذه اللغة، ويرى الناطق بها له درجة وفضل على من يتقن العربية.
فهذه الحال لا شك أنها فاسدة لفساد نية صاحبها ورغبته عن اللغة العربية التي اختارها الله تعالى لدينه وشرعه.
وتعليم الأولاد الإنجليزية بهذا المقصد سيؤثر غالبا على فكرهم وسلوكهم؛ لأنهم سيستقر في قلوبهم أن صاحب الثقافة الإنجليزية هو الشخص المثقف والمتقدم علميا وثقافيا، وأما صاحب اللغة والثقافة العربية فيراه إنسانا متخلفا في العلم، وهذا يجره إلى الزهد في تعلم دين الله تعالى والإعراض عن الانقياد له.
فلذا ينهى عن تعليم الأولاد الإنجليزية بهذا المقصد والحال، لما يفرزه من نتائج سيئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذا أصل مستمر في أصول الشريعة كما قد بسطناه في قاعدة سد الذرائع وغيرها ، وبيّنا أن كل فعل أفضى إلى المحرم كثيرا كان سببا للشر والفساد، فإذا لم يكن فيه مصلحة راجحة شرعية، وكانت مفسدته راجحة، نهي عنه، بل كل سبب يفضي إلى الفساد نهي عنه إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة، فكيف بما كثر إفضاؤه إلى الفساد " انتهى من"الفتاوى الكبرى" (4/465).
الضرب الثاني:
من يكون تعليمه الإنجليزية للأولاد بقصد أن ينمو الطالب وله قوة في هذه اللغة تمكّنه من الغوص في المراجع البحثية والانتفاع بها على الوجه الأفضل، وليساهم في نفع أمته بهذه العلوم.
فهذا المقصد حسن، لكن لا بد من تلافي ما قد يجره هذا التعلم من فساد كتعلق الابن بهذه اللغة وثقافة أهلها، فعلى الوالد أن يتابع ولده بالنصح والعمل على ربطه بالعربية وتحبيبها له وحثه على تعلم دينه وترسيخه في قلبه، وعدم السماح له بالكلام في الحياة الاجتماعية -خارج نطاق الدارسة- إلا بالعربية حتى يألفها، ويحرص على توجيهه بعدم التشبه بأهل الكفر وعدم الافتتان بهم.
وأما إن كان الوالد سيسلم ولده لهذه اللغة الغربية ويجعل تربية ولده من مهام المدرسة وينفض يديه منه بحجة أن المنهج يحتوي على مواد عربية أيضا، فهذا مخالف لقوله تعالى:
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فـ ( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ) ... ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه" انتهى من"تفسير السعدي" (ص874).
فتربية الولد من الولاية التي يجب الإحسان في القيام بها، وعدم التقصير فيها.
عَنِ الحَسَنِ: " أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري(7150)، ومسلم(142).
على أن مناسبة التعليم بلغة أجنبية، لسن معينة للطفل، إنما يرجع فيه لأهل الاختصاص من التربويين، فكثير من المتخصصين في التربية، يرى أنه ليس من مصلحة الطفل أن يبدأ في سنواته الأولى للدراسة، بتعلم لغة غير لغته، وأن هذا يؤثر سلبا على النمو اللغوي، والفكري لدى الطفل. وهذا موطن آخر من النظر، لعله أهم مما تقدم ذكره في الجواب، لكن يرجع فيه إلى المختصين.
فالحاصل؛ أن تعليم الأولاد الإنجليزية بقصد تقوية فهمهم وإتقانهم للعلوم الدنيوية النافعة، أمر لا بأس به، إن صاحبه اعتناء بهؤلاء الأولاد في تربيتهم على حب وفهم وتعلم دينهم ولغته.
والله أعلم.