الحمد لله.
أولاً : جلسة الاستراحة سنة من سنن الصلاة ، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (21985) بيان ذلك .
ثانياً : أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المأموم بمتابعة الإمام ، روى البخاري (688) ومسلم (412) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ (أي مريض) فَصَلَّى جَالِسًا ، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا .
ومعنى المتابعة : أن يشرع المأموم في أفعال الصلاة فور فراغ الإمام مما كان فيه . انظر سؤال رقم ( 33790 )
انظر : "حاشية ابن قاسم" (2/285) ، "الشرح الممتع" (4/269) .
ثالثاً : إذا كان الإمام لا يجلس للاستراحة ، فقد اختلف العلماء هل الأفضل للمأموم أن يجلس للاستراحة أم لا؟ وسبب الخلاف في المسألة هو : هل جلوس المأموم في هذه الحال وتأخره عن الإمام ينافي المتابعة التي أمر بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا ؟
فذهب بعض العلماء إلى أن المأموم يجلس للاستراحة ولو لم يجلسها الإمام ، وتأخر المأموم في هذه الحال يسير لا يضر .
قال النووي في "المجموع" (4/240) :
وَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ جلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ , قَالَ أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية) : لأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ اهـ .
وذهب آخرون إلى أن المأموم لا يجلسها .
سئل شيخ الإسلام كما في "الفتاوى الكبرى" (1/135) عن رجل يصلي مأموما ويجلس بين الركعات جلسة الاستراحة ولم يفعل ذلك الإمام فهل يجوز ذلك له ؟
فأجاب : جلسة الاستراحة قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلسها لكن تردد العلماء هل فعل ذلك من كبر السن للحاجة أو فعل ذلك لأنه من سنة الصلاة ؟ فمن قال بالثاني استحبها ، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، ومن قال بالأول لم يستحبها إلا عند الحاجة كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى . ومن فعلها لم ينكر عليه وإن كان مأموما ، لكون التأخر بمقدارها ليس هو من التخلف المنهى عنه عند من يقول باستحبابها . وهل هذا إلا فعل في محل اجتهاد ؟ فإنه قد تعارض فعل هذه السنة عنده والمبادرة إلى موافقة الإمام ، فإن ذلك أولى من التخلف لكنه يسير ، فصار مثلما إذا قام من التشهد الأول قبل أن يكمله المأموم ، والمأموم يرى أنه مستحب ، أو مثل أن يسلم وقد بقي عليه يسير من الدعاء هل يسلم أو يتمه ؟ ومثل هذه المسائل هي من مسائل الاجتهاد والأقوى أن متابعة الإمام أولى من التخلف لفعل مستحب والله أعلم اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (3/192) :
مسألة : إذا كان الإنسان مأموماً فهل يُسن له أن يجلس إذا كان يرى هذا الجلوس سنة أو متابعة الإمام أفضل؟
الجواب : أن متابعة الإمام أفضل ، ولهذا يترك الواجب وهو التشهد الأول ، ويفعل الزائد كما لو أدرك الإمام في الركعة الثانية فإنه سوف يتشهد في أول ركعة فيأتي بتشهد زائد من أجل متابعة الإمام ، بل يترك الإنسان الركن من أجل متابعة الإمام ، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً ) فيترك ركن القيام وركن الركوع ، فيجلس في موضع القيام ، ويومئ في موضع الركوع ، كل هذا من أجل متابعة الإمام .
فإن قال قائل : هذه الجلسة يسيرة لا يحصل بها تخلف عن الإمام .
فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا وإذا كبّر فكبروا ) فأتى بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب بدون مهلة ، وهذا يدل على أن الأفضل في حق المأموم ألا يتأخر عن الإمام ولو يسيراً ، بل يبادر بالمتابعة، فلا يوافق ، ولا يسابق ، ولا يتأخر ، وهذا هو حقيقة الائتمام اهـ .
والله أعلم .