الحمد لله.
إذا أمرت الأم ابنها بالخروج من البيت وكان قادرا على السكن في بيت آخر ولو بأجرة، لزمه طاعتها، ولا حرج عليها في الانفراد بالسكنى ما دام المكان مأمونا، وكانت هي مستقيمة الحال، ولا ريبة.
فإن كان المكان غير مأمون، أو وجدت ريبة، أو ظهر منها سوء حال، واحتمال دخول أجانب عليها، فإن وليها يمنعها من الانفراد، وكذا محارمها، كابنها، يمنعها من الانفراد حينئذ، فيسكن معها، أو يسكن في شقة قريبة منها بحيث يلاحظها.
قال ابن الهمام رحمه الله: " أما الجارية فإن بلغت بكرا ضمها إلى نفسه، وإن بلغت ثيبا فلها أن تنفرد بالسكنى؛ إلا أن تكون غير مأمونة على نفسها، لا يوثق بها؛ فللأب أن يضمها إليه، وكذا الأخ.
وللعم الضم إذا لم يكن مفسدا، وإن كان؛ فحينئذ يضعها القاضي عند امرأة ثقة" انتهى من "فتح القدير" (4/ 374).
وقال النووي رحمه الله: " وإن كانت ثيبا، فالأولى أن تكون عند الأبوين، أو أحدهما، ولا تجبر على ذلك باتفاق الأصحاب، لأنها صاحبة اختيار، وممارسة وبعيدة عن الخديعة.
وهذا إذا لم تكن تهمة، ولم تُذكر بريبة.
فإن كان شيء من ذلك، فللأب والجد، ومن يلي تزويجها من العصبات منعها من الانفراد.
ثم المحرم منهم: يضمها إلى نفسه إن رأى ذلك.
وغير المحرم: يُسْكِنها موضعا يليق بها، ويلاحظها؛ دفعا للعارعن النسب، كما يمنعونها نكاح غير الكفء.
وأثبت البغوي للأم ضمها إليها عند الريبة، كما أثبتها للعصبة.
ولو فرضت التهمة في حق البكر، فهي أولى بالاحتياط، فتمنع من الانفراد؛ بلا خلاف" انتهى من "روضة الطالبين" (9/ 102).
وقال البهوتي في "الروض المربع": " ولأبيها وباقي عصبتها منعها من الانفراد".
قال ابن قاسم في حاشيته عليه (7/ 163): " خشيةَ الفساد، ولحوق العار بهم.
ومنعها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس، حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد، قيدوها" انتهى.
وإذا كانت والدتك تريد الزواج، فذلك حق من حقوقها، لا يجوز لك ولا لغيرك أن يمنعها منه، ما دامت ستتزوج الرجل المناسب لها.
بل من تمام برها، وحقها عليكم، والحال ما ذكر: أن تساعدوها على ذلك، وتبحثوا لها عن زوج يناسبها، فذلك خير لها، وأعف وأحصن، وخير لكم أيضا، وأبعد عن تلك المشكلات. فأعينوها على طريق الزواج والعفاف، وسهلوا له أمرها، وسهلوا عندها قبولكم له.
فإذا تم لها الزواج، من رجل مناسب، يعفها ويحصنها، وأرادت الانفراد بالبيت، وخروجكم منه: فلا حرج عليكم حينئذ في الخروج؛ وقطع الطريق على المشكلات، والحزازات.
والله أعلم.