أنا أعمل موزع طلبات في مجال التجارة الإلكترونية، يعني الناس تشتري من على منصات الإنترنت، وأنا أقوم بإيصال المنتجات من البائعين إلى العملاء مثل ساعي البريد، وبحكم اطلاعي على مجموعة من المنتجات فالناس تسألني هل هذه منتجات موثوقة، هل هي غير مزورة أو بها أي مشكلة، فأنا رغم علمي بالمنتجات بحكم أن الناس تفتح الطرود أمامي، فأنا أقول لهم: إن مهمتي هي التوصيل، ولا أعلم شيئا عن المنتجات، فهل آثم على هذه الأمور؟ أم أؤدي عملي فقط؟ أنتم تعلمون أن التجارة الإلكترونية أصبح لها وزن، والناس أصبحت تشتري بكثرة، وتحتاج لمن يوصل لها المنتج، أما مسألة عيوب المنتج أو فعاليته فتبقى بين البائع والزبون.
الحمد لله.
يلزم من استنصحه أخاه أن ينصح له؛ لما روى مسلم (2162) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ .
وروى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال : لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (14/ 143):
"أما قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا استنصحك) : فمعناه طلب منك النصيحة ، فعليك أن تنصحه ، ولا تداهنه ولا تغشه ، ولا تمسك عن بيان النصيحة . والله أعلم" انتهى.
والنصيحة واجبة، لكن اختلف في وجوبها ؛ هل هو على الكفاية أو على التعيين؟
قال ابن بطال في "شرح البخاري" (1/ 129): "والنصيحة فرض ، يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة ، إذا علم الناصح أنه يُقبل نصحُه ويُطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه.
وأما إن خشى الأذى : فهو في سعة منها" انتهى.
ونقله النووي في "شرح مسلم" (2/ 39).
وقال ابن علان في "دليل الفالحين" (3/ 29):
"(وإذا استنصحك) أي طلب منك النصح ، وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل .
(فانصح له) ؛ وجوباً عليك ، بأن تذكر له ما به صلاحه.
وطلبه ليس شرطاً لوجوب بذله ، أو ندبه؛ لأنه يجب تارة، ويندب أخرى، لمن طلب ومن لم يطلب، فذكره إنما هو لإفادةِ أن تأكده بعد الطلب أكثر" انتهى.
وقال ابن مفلح:
"وظاهر كلام أحمد والأصحاب: وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك؛ كما هو ظاهر الأخبار.
ولمسلم عن معقل بن يسار مرفوعا: ما من أمير يلي أمر المسلمين؛ ثم لا يجتهد لهم ، وينصح: إلا لم يدخل الجنة معهم .
فقد يقال: ظاهره أن وجوب النصح [لا] يتوقف على السؤال.
وقد يقال: لا؛ بل خص الأمير هذا، لأنه أخص.
لكن روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعا حق المسلم على المسلم ست وفيه : فإذا استنصحك فانصح له ؛ وهذا أولى.
ولأنه ليس بإقرار على محرم ، ولا يلزمه قبول قوله ؛ بخلاف إنكار المنكر.
وقد روى الحاكم في تاريخه عن ابن المبارك أنه قيل له: التاجر يدخل عليه رجل مفلس وأنا أعرفه، ولا يعرفه أسكت أم أخبره؟ قال: لو أن خنّاقا صحبك، وأنت لا تعرفه وأنا أعرفه أأسكت حتى يقتلك؟
وعن أنس مرفوعا لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه.
وإن ظن أن لا يقبل نصحه ، أو خاف أذى منه : فيتوجه أن يقال فيه ما سبق في الأمر بالمعروف" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 291).
وفي "الموسوعة الفقهية" (40/ 325):
" ذهب الفقهاء إلى أن النصيحة تجب للمسلمين، قال ابن حجر الهيتمي: يتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم.
وقال الراغب الأصفهاني: عظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر النصح فقال: الدين النصيحة، فبين عليه الصلاة والسلام أن النصح واجب لكافة الناس؛ بأن تتحرى مصلحتهم في جميع أمورهم.
وقال المالكية: النصيحة فرض عين، سواء طلبت أو لم تطلب؛ إذا ظن الإفادة؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف.
ونقل النووي عن ابن بطال: أن النصيحة فرض كفاية، يجزى فيه من قام به، ويسقط عن الباقين.
وهي لازمة على قدر الحاجة ، أو الطاقة ، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ، ويطاع أمره ، وأمن على نفسه المكروه. فإن خشي على نفسه أذى : فهو في سعة.
وقال غيرهم: إن ظاهر حديث: الدين النصيحة وجوب النصح؛ وإن علم أنه لا يفيد في المنصوح" انتهى.
وعليه ؛ فيلزمك أن تنصح له ، وتبين ما تعلم من العيب والخلل ؛ لا سيما إذا طُلبت منك النصيحة، ولا يسعك الكتمان، إلا أن تخشى ضررا وأذى من النصح.
والله أعلم.