حكم جوازالانتفاع المتبادل من السكن، لي شققة في الطابق الأرضي مساحتها 75 مترا مربعا، وقيمتها 39000 دولار، ولأخي شقة في الطابق الأخير مساحتها 50 مترا مربعا، وقيمتها 13000دولار، أي إن شقتي تساوي في القيمة ثلاثة أضعاف شقة أخي. فهل يجوز شرعا أن نتفق على أن ينتفع أخي ثلاث سنوات بشقتي، ثم فيما بعد انتفع بشقته 9 سنوات؟ أم إن هذا ينطبق عليه عدم الجواز، مثل سلفني وأسلفك، أو أقرضني وأقرضك؟
الحمد لله.
لا حرج فيما ذكرت، وهو من باب استئجار منفعة بمنفعة من نفس الجنس، وهذا جائز عند الجمهور، ممنوع عند الحنفية.
فهنا استئجار منفعة السكنى بالسكنى.
قال في "بدائع الصنائع" (4/ 194): " ومنها أن لا تكون الأجرة منفعة هي من جنس المعقود عليه، كإجارة السُّكنى بالسكنى، والخدمة بالخدمة، والركوب بالركوب والزراعة بالزراعة؛ حتى لا يجوز شيء من ذلك عندنا.
وعند الشافعي ليس بشرط وتجوز هذه الإجارة.
وإن كانت الأجرة من خلاف الجنس: جاز، كإجارة السكنى بالخدمة، والخدمة بالركوب، ونحو ذلك. والكلام فيه.
فرع في كيفية انعقاد هذا العقد: فعندنا ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة، فلم تكن كل واحدة من المنفعتين معينة، بل هي معدومة وقت العقد، فيتأخر قبض أحد المستأجرين، فيتحقق ربا النساء، والجنس بانفراده يُحَرِّم النَّساء عندنا...
وعند الشافعي: منافع المدة تجعل موجودة وقت العقد، كأنها أعيان قائمة، فلا يتحقق معنى النسيئة، ولو تحقق فالجنس بانفراده لا يحرم النساء عنده" انتهى.
وعلل بعض الحنفية المنع بأن "الإجارة أجيزت على خلاف القياس، للحاجة؛ ولا حاجة إلى استئجار المنفعة بمنفعة من جنسها". "البحر الرائق" (8/ 28).
وأما الجمهور فيجيزون ذلك، ويجعلون المنافع كالأعيان القائمة، ولا يُجرون الربا إلا فيما وجدت فيه علة الربا، وهو منتفٍ هنا.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل ما جاز ثمنا في البيع، جاز عوضا في الإجارة؛ لأنه عقد معاوضة أشبه البيع.
فعلى هذا: يجوز أن يكون العِوض عينا، ومنفعة أخرى، سواء كان الجنس واحدا، كمنفعة دار بمنفعة أخرى، أو مختلِفا، كمنفعة دار بمنفعة عبد، قال أحمد: لا بأس أن يكتري بطعام موصوف معلوم. وبهذا كله قال الشافعي.
قال الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج [القصص: 27]؛ فجعل النكاح عوض الإجارة.
وقال أبو حنيفة؛ فيما حكي عنه: لا تجوز إجارة دار بسكنى أخرى، ويجوز أن يختلف جنس المنفعة، كسكنى دار بمنفعة بهيمة؛ لأن الجنس الواحد عنده يحرم النساء...
وما قاله أبو حنيفة لا يصح؛ لأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة، ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين؛ لأنه يكون بيع دين بدين" انتهى من "المغني" (5/ 327).
قال الشيخ أبو عمر الدبيان بعد عرض الخلاف: "الراجح: جواز إجارة المنافع بمنافع أخرى من جنسها؛ لعدم جريان الربا فيها، والله أعلم" انتهى من "المعاملات المالية المعاصرة" (9/ 212).
فعلى مذهب الجمهور لا حرج في إجارة سكنى الشقة التي بالدور الأول ثلاث سنوات، بسكنى الشقة التي في الدور الأخير تسع سنوات، ولا يضر التفاضل، ولا النسيئة؛ لعدم وجود علة الربا من الوزن أو الكيل أو الطُّعم أو الثمنية.
لكن ما جاء في السؤال من أن انتفاعك بشقة أخيك يكون "فيما بعد" : غلط، يجعل إجارتك لشقة أخيك إجارة فاسدة في نفسها، سواء كانت في مقابل انتفاعه بشقتك، أم لم تكن كذلك؛ لأن شرط الإجارة أن تكون محددة المدة، معلومة البداية والنهاية.
ولا يشترط أن يبدأ انتفاعك بشقة أخيك، بعد اتفاقكما مباشرة، ولا أن يكون في نفس وقت انتفاعه بشقتك، لكن الواجب أن يكون معلوما لكما، متفقا عليه بينكما: متى يبدأ كل واحد في الانتفاع بشقة صاحبه، ومتى ينتهي استحقاقه فيها.
قال البهوتي، رحمه الله، في "شرح المنتهى" (2/255)، في بيان اشتراط ذلك: " ولإجارة العين المعقود على منفعتها، معينة كانت أو موصوفة في الذمة (صورتان:)
إحداهما أن تكون (إلى أَمَد)؛ كهذه الدار شهرا ، أو فرسا صفته كذا ليركبه يوما .
(وشُرِط) في هذه الصورة (علمه) أي: الأمد؛ كشهرٍ من الآن، أو: وقتَ كذا؛ لأنه الضابط للمعقود عليه، المُعرِّف له ...
(لا أن تلي مدةُ) الإجارةِ (العقدَ؛ فتصح) إجارة عينٍ (لسنة خمسٍ في سنة أربع)؛ لجواز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة".
ثم قال: " (ولا) يصح استئجار عين (شهرا، أو سنة، ويُطلق)؛ للجهالة.
وقيل: يصح؛ وابتداؤه من عقدٍ. وجزم به في الإقناع تبعا لما في المغني." انتهى.
والله أعلم.