هل يحق للمطلقة أن تعطي أبنائها لأبيهم طليقها لتتزوج؟ وهل يحق لها حتى إن رفض الأب مع وجود أم الزوج، وبيت خاص له معها؟
الحمد لله.
أولا:
إذا حصل الطلاق بين الزوجين، فالأصل في حضانة الأولاد الصغار أن تكون للأم، ما لم تتزوج.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
"أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح...وقد روينا عن أبي بكر الصديق أنه حكم على عمر بن الخطاب، وقضى بعاصم لأمه أم عاصم. وقال: حجرها، وريحها، ومسها: خير له منك، حتى يشب فيختار.
وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت.
وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (هي أحق بالولد ما لم تتزوج. " انتهى من "الاشراف" (5 / 171).
فإذا تزوجت انتقل حق الحضانة إلى أقرب أقارب الطفل، كأبيه أو جدته الأقرب فالأقرب.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وقد ضبط هذا الباب شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية بضابط آخر، فقال: أقرب ما يضبط به باب الحضانة أن يقال:
لما كانت الحضانة ولاية تعتمد الشفقة والتربية والملاطفة، كان أحق الناس بها أقومهم بهذه الصفات، وهم أقاربه يقدم منهم أقربهم إليه، وأقومهم بصفات الحضانة.
فإن اجتمع منهم اثنان فصاعدا، فإن استوت درجتهم، قدم الأنثى على الذكر، فتقدم الأم على الأب، والجدة على الجد، والخالة على الخال، والعمة على العم، والأخت على الأخ.
فإن كانا ذكرين أو أنثيين، قدم أحدهما بالقرعة، يعني مع استواء درجتهما، وإن اختلفت درجتهما من الطفل، فإن كانوا من جهة واحدة قدم الأقرب إليه...
فبهذا الضابط يمكن حصر جميع مسائل هذا الباب وجريها على القياس الشرعي، واطرادها وموافقتها لأصول الشرع، فأي مسألة وردت عليك، أمكن أخذها من هذا الضابط، مع كونه مقتضى الدليل، ومع سلامته من التناقض، ومناقضة قياس الأصول، وبالله التوفيق " انتهى من "زاد المعاد" (5 / 402 - 403).
ثانيا:
اختلف العلماء: هل الحضانة حق للحاضن؟ أم حق عليه؟ على قولين:
قال ابن القيم رحمه الله: "والصحيح أن الحضانة حق لها – يعني الأم-، وعليها إذا احتاج إليها الطفل، ولم يوجد غيرُها" انتهى من "زاد المعاد" (5/452).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إذا قلنا: إن الحضانة حق للحاضن، فإذا امتنع، فإنها تنتقل إلى من بعده، فإن لم يُرِدْها من بعده انتقلت إلى من بعده، وهكذا إلى أن تصل إلى الحاكم.
ولكن ابن القيم ـ رحمه الله ـ أبى هذه الصورة، وقال: إنها حق للحاضن، وحق عليه، فإن نازعه منازع فيها، فهي له، وإن لم ينازعه منازع، فهي عليه.
فنقول للأول: أنت الذي تلزم بالحضانة إذا لم ينازعك أحد؛ لأننا لو قلنا: إذا امتنعت انتقلت لمن بعدك، وإذا امتنع فلمن بعده، وإذا امتنع فلمن بعده إلى أن تصل إلى الحاكم؛ ضاعت حقوقه، وصار تحت الرعاية العامة، والواجب أن يكون تحت الرعاية الخاصة." انتهى من "الشرح الممتع" (13/536).
وبناء على هذا؛ فإذا كان وجود الأطفال مع الأم يمنعها من الزواج – أو يقلل فرصتها فيه- كما هو واقع في كثير من البلاد، فإن من حقها أن تتخلى عن حضانة أولادها، وحينئذ يتدخل الحاكم الشرعي، ويلزم الأب بالقيام بمسئوليته تجاه أولاده.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"إذا لم يتفق الزوجان على أن يكون الأولاد عند أحدهما، فإن المرجع هو الحاكم الشرعي، وهو ينظر المصلحة.
ولهذا يجب أن نعلم أن الحضانة المقصود منها إصلاح المحضون، ولا يجوز أن يقر المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه، حتى لو كان له حق الحضانة من حيث الترتيب، إذا علمنا أن هذا مهمل لا يبالي، أو علمنا أنه صاحب منكرات، فهنا لا يكون الأولاد عنده ولا حضانة له.
المهم أن المرجع في هذا إلى القاضي، وهو عليه أن يتقي الله ويراعي مصلحة المحضون" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (229 / 16 ترقيم الشاملة).
وينبغي أن يعلم أن الشريعة الإسلامية تجمع بين المصالح بقدر الإمكان، وتدفع ما يمكن دفعه من الأضرار، فتراعي الشريعة مصلحة المحضون، من غير وقوع ضرر بالأبوين أو أحدهما.
والمقصود من الحضانة هو القيام بمصالح المحضون، فلا يجوز للوالدين أن يتنازعا في الحضانة، من أجل أن كلًّا منهما يريد أن يحرم الثاني من ولده، من غير مراعاة لمصلحة الولد.
كما لا يجوز للوالدين أن يتدافعا الحضانة، من أجل أن كلًّا منهما يريد الإضرار بالآخر، فالأب يريد أن يقلل فرصة الأم في الزواج، والأم تريد إيقاع الأب في المشقة بخدمة أولاده الصغار.
فإذا تنازلت الأم عن حقها في الحضانة من أجل أن يتيسر لها الزواج – وذلك من حقها- فلا يجوز للأب أن يرفض أخذ أولاده، بل القاضي الشرعي يتدخل حينئذ، ويلزمه بالقيام بالواجب عليه من حضانة أولاده.
وقد يرى القاضي إلزام الأم بالحضانة إلى أن يتم زواجها، فإذا تم الزواج انتقل الأولاد إلى الأب.
والله أعلم.