لم يقل الله تعالى في أيّ مكان في القرآن أنّ اللوح المحفوظ معه على العرش، واعتقدت أنّ كل خلق الله تحت عرشه، لكنّني الآن في حيرة من أمري حول اللوح المحفوظ، هل هو تحت العرش أو فوق العرش؟ لحديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوبٌ عنده فوق العرش) .
الحمد لله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي رواه البخاري (7453)، ومسلم (2751).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي ). وفي لفظ آخر: ( كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي )، وفي لفظ: ( وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ )، وفي لفظ: ( فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ ). وهذه الألفاظ كلها صحاح في صحيح البخاري ومسلم " انتهى من "اجتماع الجيوش" (ص 98).
ولم ينص على ماهية هذا الكتاب ؛ هل هو اللوح المحفوظ أم غيره.
قال الشيخ محمد بن علي الإثيوبي رحمه الله تعالى:
" (فِي كِتَابِهِ) يحتمل أن يكون المراد: اللوح المحفوظ، ويحتمل أن يكون كتابا آخر مختصّا بهذا الأمر؛ تنويها بشأنه، ورفعا لقدره " انتهى من "البحر المحيط الثجاج" (42 / 612).
قال الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان:
" والحق أن قوله: "عنده فوق عرشه" على ظاهره، وأن كل تأويل له عن ظاهره، تبديل للمعنى الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نؤمن إيمانا يقينا قاطعا، وكل المؤمنين أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص على عقيدة المسلمين، وعلى تنزيه الله تعالى من هؤلاء المحرفين لكلامه، وهو كذلك أقدر على البيان والإيضاح منهم، وهو كذلك أعلم بالله، وما يجب له وما يمتنع عليه من هؤلاء المتخبطين.
فهذا كتاب خاص، وضعه عنده فوق عرشه، مثبتا فيه ما ذكر؛ لزيادة الاهتمام به، ولا ينافي ذلك أن يكون مكتوبا أيضاً في اللوح المحفوظ.
وهو كتاب حقيقة، كتبه -تعالى- كما ذكر لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حقيقة، وهو عند الله حقيقة، فوق عرشه حقيقة " انتهى من "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1 / 397).
والحديث : رواه البخاري في باب " بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" والغرض منه الإشارة إلى أن اللوح المحفوظ فوق العرش" انتهى من "فتح الباري" (13 / 527).
وسواء كان هو اللوح المحفوظ أم غيره، فإننا نثبت فوقية هذا الكتاب.
ولا إشكال في عدم النص على هذه المسألة في آيات القرآن الكريم؛ لأنه يجب علينا التصديق بالخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو وحي.
قال الله تعالى: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى النجم/2 – 4.
قال الشافعي رحمه الله تعالى:
" لم أسمع أحدا نسبه الناس ، أو نسب نفسه إلى علم ؛ يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه؛ بأن الله جل ثناؤه لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكل حال، إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا، وعلى من بعدنا وقبلنا، في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : واحد لا يختلف ؛ في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " انتهى من"الأم" (9 / 5).
كما ينبغي للمسلم عدم التعمق في تفاصيل الغيب، إلا في حدود ما ورد به النص ، وعليه التسليم لما جاءت به النصوص ، وما أشكل عليه منها ، رده إلى المحكم البين، وطلب فقهه وفهمه من عالمه .
وأما كيفيات أمور الغيب فمحجوبة عن أفهامنا، وعلومنا ، لم تبين لنا ، وليست هي مما يقاس أو يشبه بما يعرفه الناس من أمور هذا العالم.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب...
قال إسحاق بن راهويه: لا يجوز التفكر في الخالق، ويجوز للعباد أن يتفكروا في المخلوقين بما سمعوا فيهم، ولا يزيدون على ذلك، لأنهم إن فعلوا تاهوا، قال: وقد قال الله: ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )، فلا يجوز أن يقال: كيف تسبح القصاع، والأخونة، والخبز المخبوز، والثياب المنسوجة؟ وكل هذا قد صح العلم فيهم أنهم يسبحون، فذلك إلى الله ؛ أن يجعل تسبيحهم كيف شاء وكما يشاء، وليس للناس أن يخوضوا في ذلك إلا بما علموا، ولا يتكلموا في هذا وشبهه إلا بما أخبر الله، ولا يزيدوا على ذلك، فاتقوا الله، ولا تخوضوا في هذه الأشياء المتشابهة، فإنه يرديكم الخوض فيه عن سنن الحق " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2 / 172 – 173).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (332284).
والله أعلم.