نحن نعيش في منزل إيجار أنا وأختي وأمي، والدي متوفي، ولي أخوان متزوجين، ويسكنون ببيوت إيجار، وهم يعملون، و٤ أخوات متزوجات، ولنا دخل شهري قرابة ٨ آلاف في الشهر، من إيجارات، ونسدد دين لوالدي، وما قسمنا الإرث حتى ينتهي الدين. سؤالي : فهل لإخواني المتزوجين حق في المنزل الذي نعيش فيه أنا وأمي وأختي؟ حيث إنهم يقولون إنه بيت أبيهم ولهم فيه حق، فيأتون في أي وقت يشاءون، ويتصرفون في البيت بكل حرية دون مراعاة لخصوصيتي أو أختي، وليست لي ولا أختي ولا أمي خصوصية في أي شيء، مع العلم والدي رحمه الله تعالى لم يقصر مع إخوتي، حيث اشترى لهم أثاثا ، وسيارات، في الوقت الذي لا أملك أنا وأمي وأختي سيارة لقضاء حوائجنا، فإذا احتجنا للخروج لابد من استئذانهم، ويكون حسب وقت فراغهم، هم يتمتعون بخصوصيتهم في بيوتهم، أما نحن فليس لنا خصوصية في بيتنا، فنأمل توضيح الأمر.
الحمد لله.
أولا:
إذا مات الإنسان انتقل ما يملكه إلى ورثته، فإن اتفقوا جميعا على عدم تقسيم التركة فلا حرج في ذلك، وهم شركاء في التملك إلى أن يتم التقسيم.
ثانيا:
إذا كان البيت الذي تسكنون فيه مؤجرا، فلا حق لإخوانك فيه، لكن ما فيه من الأثاث والمتاع، مما كان ملكا لوالدك، فهم شركاء فيه، فإما أن يتبرعوا به لكم، أو يتم تقسيمه، أو يقوّم ويعرف نصيب كل إنسان من قيمته، وتأخذونه، وتعوضون إخوانكم عن نصيبهم، أو أن يبقى مشتركا.
وإذا كان هذا الاشتراك يؤدي إلى ما ذكرت من عدم تقديرهم للخصوصية بحجة أن البيت بيت الوالد، فإنا ننصح بإنهاء الشركة في هذا المتاع، بتقسيمه أو بتقويمه وتعويض إخوانكم، ما لم يهبوه لكم.
ثالثا:
على فرض استمرار الشركة في متاع البيت، بل لو كان الأخ ساكنا فيه، فإنه لا يدخل على الأم والأخوات إلا بإذن.
روى مالك في الموطأ في باب الاستئذان عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا .
ومن استؤذنت: كان لها أن تأذن أو تأبى.
وفي الموسوعة الفقهية (3/ 146): "وإن كان في بيته أحد محارمه، كأمه أو أخته أو نحو ذلك، ممن لا يصلح له أن يراه عريانا، من رجل أو امرأة، فلا يحل له أن يدخل عليه بغير استئذان عند الحنفية والمالكية، ويكون الاستئذان عندهم في هذه الحالة واجبا لا يجوز تركه، بل قال المالكية: من جحد وجوب الاستئذان يكفر، لأنه مما علم من الدين بالضرورة.
ويدل على وجوب الاستئذان القرآن والسنة وآثار الصحابة ومبادئ الشريعة:
أما القرآن الكريم فقوله تعالى: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا.
وأما السنة المطهرة فما رواه الإمام مالك، عن عطاء بن يسار...
وأما آثار الصحابة فهي كثيرة، نذكر منها ما رواه الطبراني من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم.
وما رواه الجصاص عن عطاء قال: سألت ابن عباس أأستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها معي في البيت وأنا أنفق عليها، قال: استأذن عليها.
وما ذكره الكاساني عن حذيفة بن اليمان، أنه سأله رجل فقال: أستأذن على أختي؟ فقال: إن لم تستأذن رأيت ما يسوءُك...
وإن كان البيت غير بيته، وأراد الدخول إليه، فعليه الاستئذان، ولا يحل له الدخول قبل الإذن بالاتفاق، سواء أكان باب البيت مفتوحا أو مغلقا، وسواء أكان فيه ساكن أم لم يكن، لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا.
ولأن للبيوت حرمتها فلا يجوز أن تنتهك هذه الحرمة؛ ولأن الاستئذان ليس للسكان أنفسهم خاصة، بل لأنفسهم ولأموالهم؛ لأن الإنسان كما يتخذ البيت سترا لنفسه، يتخذه سترا لأمواله، وكما يكره اطلاع الغير على نفسه، يكره اطلاعه على أمواله" انتهى.
والحاصل:
أنه ليس لإخوانكم المتزوجين أن ينتهكوا خصوصيتكم في السكن في البيت الذي تسكنون فيه، سواء كان لهم ملك فيه، أو لم يكن لهم ملك؛ بل الواجب عليهم مراعاة خصوصيتكم، ووقت راحتكم، وأوقات العورات لساكن البيت، فلا ينتهكوا شيئا من ذلك، خاصة وأن لهم مساكن أخرى يقيمون فيها؛ فليس لهم أن يضيقوا عليكم في مسكنكم، ولا أن ينتهكوا اختصاصكم بالسكن فيه، والحال ما ذكر.
وإذا كان بقاء تركة الوالد دون تقسيم، أو بقاء أثاث المنزل كذلك، مما يقويهم على ذلك، فننصحكم بقسمة ما هو معلق بينكم، وسد الذريعة إلى أذى المشاركة.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (307722)
والله أعلم.