أنا متطوع في المسجد بالوقوف أمام الباب أقيس درجة حرارة المصلين، فعندما تقام الصلاة أبقى أمام الباب حتى تكمل الصلاة، ثم أصليها وحدي؟ فهل لي أجر الجماعة؟ وهل أنا آثم؟
الحمد لله.
المسلم مأمور بصلاة الجماعة مادام يسمع النداء ولا يشق عليه الذهاب إليها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ رواه ابن ماجه (793)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/337).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فأما صلاة الجماعة: فاتبع ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة؛ من وجوبها مع عدم العذر، وسقوطها بالعذر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/244).
والمسلم الذي ينشغل بقياس حرارة المصلين، هل يعذر بهذا في تركه الجماعة؟
هذا له حالان:
الأولى: أن يكون في تصرفة هذا مصلحة راجحة على حضوره الجماعة.
كأن تكون الجهات المسؤولة أجبرت أهل المسجد على هذا؛ فإذا تركوه أغلق المسجد. ففي هذه الحال لا شك أن عدم حضور شخص واحد أخف ضررا ومفسدة من تعطيل المسجد من الجماعة؛ والمسلم مأمور أن يوازن في الفعل الواحد بين مصالحه ومفاسده، فيقدم الراجح منها.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
" إذا اجتمعت مصالح ومفاسد ، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك ، امتثالاً لأمر الله فيهما ؛ لقوله - سبحانه -: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
وإن تعذر الدرء والتحصيل ؛ فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ، ولا نبالي بفوت المصلحة ، قال - تعالى -: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْـخَمْرِ وَالْـمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا . حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما...
وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة ، وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يُتخيّر بينهما ، وقد يُتوقفُ فيهما " انتهى من " قواعد الأحكام" (1/ 136).
وكذا لو كان المرض منتشرا في البلد، وأهل المسجد لا يلتزمون بتوقي المرض، والمرضى لا يتورعون عن مخالطة الأصحاء، فللقائمين على المسجد أن يمنعوا المرضى من حضور الجماعة، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (115117).
فيعذر المناوب - على قياس حرارة الوافدين إلى المسجد - في التأخر عن الجماعة؛ لما في عمله هذا من مصلحة مطلوبة شرعا، وهي حفظ الأنفس.
قال الغزالي رحمه الله تعالى:
" نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع.
ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة...
وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات، فهي أقوى المراتب في المصالح... " انتهى من "المستصفى" (1/417).
وقد أفتى أهل العلم بجواز التأخر عن الجماعة لأجل حفظ المال، وحفظ الأنفس أولى.
قال النووي رحمه الله تعالى في ذكره للأعذار المبيحة لترك الجماعة:
" ومنها: أن يخاف على نفسه أو ماله أو على من يلزمه الذب عنه من سلطان أو غيره ممن يظلمه، أو يخاف من غريم له يحبسه أو يلازمه وهو معسر " انتهى من "المجموع" (4/205).
والمناوب على القياس إن كان حريصا على صلاة الجماعة ومن عادته المواظبة عليها؛ فإنه يرجى له الأجر إن تخلف من أجل هذه المصلحة.
عن أَبي مُوسَى رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا رواه البخاري (2996).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" الإنسان إذا نوى العمل الصالح، ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له أجر ما نوى.
أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر؛ أي: لما كان قادرا كان يعمله، ثم عجز عنه فيما بعد؛ فإنه يكتب له أجر العمل كاملا، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا .
فالمتمني للخير، الحريص عليه؛ إن كان من عادته أنه كان يعمله، ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملا.
فمثلا: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/36).
الحال الثانية:
أن لا يكون في هذا التصرف مصلحة راجحة؛ وإنما مجرد مزيد توقي لا ضرورة إليه، كأن تكون الجهات الرسمية لم تلزم به والمرض غير منتشر في مدينة المسجد، أو يكون المصلون محافظين على اتباع سبل الوقاية من التباعد ولبس الكمامات ونحو هذا من الإجراءات.
ففي هذه الحال قياس حرارة الوافدين على المسجد، ليس عذرا لترك الجماعة؛ لأنه تصرف لا ضرورة ولا حاجة ملحّة إليه.
والله أعلم.