الحمد لله.
جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: ( إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ).
أخرجه الترمذي (478) وقال : وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ ، وَأَبِي أَيُّوبَ : " حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".
وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/436)، وأحمد شاكر في "شرح سنن الترمذي" (2/343)، والألباني في "صحيح الترمذي" (478).
أما حديث أبي أيوب رضي الله عنه ، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (23532) ، وفيه قَالَ : " أَدْمَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الرَّكَعَاتُ الَّتِي أَرَاكَ قَدْ أَدْمَنْتَهَا؟ قَالَ: ( إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَلَا تُرْتَجُ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا خَيْرٌ ) قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ تَقْرَأُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ ؟ قَالَ: قَالَ: ( نَعَمْ ) قَالَ : قُلْتُ : فَفِيهَا سَلَامٌ فَاصِلٌ ؟ قَالَ : ( لَا )" .
قال الأرناؤوط : حسن لغيره ، وهذا إسناد ضعيف لضعف عُبيدة : وهو ابن مُعتِّب الضبي ، ولاضطرابه ، وقرثع الضبي ليس بذاك القوي .
وأخرجه الحميدي (385)، وابن ماجه (1157)، وابن خزيمة (1214) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/335)، والطبراني في "الكبير" (4032) و (4033) و (4034) ، والبيهقي 2/488، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/168-169) من طرق عن عُبيدة بن معتِّب، بهذا الإسناد.
وقوله : " فلا ترتج " أي : فلا تغلق . من: أرْتَجْتُ الباب؛ إذا أغلقتَه ، والإِرْتاج : الغَلْقُ.
وفي رواية عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ تُدِيمُ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ فَسَأَلْتُهُ ، فَقَالَ : ( إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَرْتَفِعَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ).
أخرجه أحمد في "المسند" (23551)، وقال الأرناؤوط : صحيح لغيره ، وهذا إسناد ضعيف ، شريك -وهو ابن عبد الله النخعي- سيِّء الحفظ ، وعلي بن الصلت مجهول.
وصححه السيوطي في "الجامع الصغير" (2163)، والألباني في "صحيح الجامع" (1532).
واختلف العلماء في هذه الأربع ركعات:
فذهب الحنفية إلى أن المراد بها سنة الظهر القبلية.
قال المظهري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح: (2/ 254):
" قوله : كان يصلِّي أربع ركعاتٍ بعدَ الزَّوَالِ لا يُسلِّمُ إلا في آخرهنَّ، فقال : ( إنها ساعة تُفْتَحُ فيها أبوابُ السماء )، أراد بهذه الأربعِ سنةَ الظهرِ التي قبلَها " انتهى.
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/894):
" وتلك الركعات الأربع: سنة الظهر التي قبله، كذا قاله بعض الشراح من علمائنا ، وأراد به الرد على من زعم أنها غيرُها وسماها سنة الزوال " انتهى.
وذهب الشافعية إلى أنها أربع ركعات غير سنة الظهر القبلية ، وسموها بــ " سنة الزوال ".
قال السيوطي في "قوت المغتذي" (1/204):
" ( كان يصلِّي أربعًا بعد أن تزول الشمس ). قال العراقي : هي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها، وتسمى هذه سنة الزوال " انتهى.
وقال الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 233):
" وسنة الزوال أربع ، وهي غير سنة الظهر التي هي أربع أيضًا " انتهى.
واختار ذلك أيضا الحافظ ابن حجر في "نخب الأفكار" (5/374).
كما اختاره ابن القيم ، حيث قال : " قد يقال : إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر ، بل هي صلاة مستقلة كان يصليها بعد الزوال، كما ذكره الإمام أحمد عن عبد الله بن السائب...
وأما سنة الظهر: فالركعتان اللتان قال عبد الله بن عمر.
يوضح ذلك: أن سائر الصلوات سنتها ركعتان ركعتان ، والفجر مع كونها ركعتين ، والناس في وقتها أفرغ ما يكونون ، ومع هذا سنتها ركعتان.
وعلى هذا ، فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر وردًا مستقلاً سببه انتصاف النهار وزوال الشمس " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 298).
والذي يظهر هو رجحان القول الأول ، وهو أن هذه الأربع هي سنة الظهر القبلية ، وأنها تكون ركعتين ركعتين ، وهذا ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة الثابتة ، التي دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربع ركعات ، وأنها كانت مثنى مثنى ، أما الأحاديث التي فيها أن الأربع ركعات بدون تسليم فاصل ؛ ففي أسانيدها نظر .
قال الشيخ الدكتور سعيد بن وهف القحطاني – رحمه الله - : " سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -: هل هذه راتبة صلاة الظهر أم غيرها ؟ فبين - رحمه الله - أنها راتبة الظهر " انتهى من "صلاة التطوع" (ص: 42).
وينظر جواب السؤال رقم: (161327)، ورقم: (347528).
ولو كانت هذه الأربع ركعات غير سنة الظهر القبلية ؛ لاشتهر العمل بها عند الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة ، ولذكرها المحققون من العلماء في كتبهم .
هذا ، ولا حرج على من صلى هذه الأربع كسنة مستقلة ، تقليدًا لمن قال بذلك من العلماء ، فالمسألة من مسائل الخلاف المعتبر ، الذي يسع فيه الأخذ بأحد القولين .
والله أعلم.