الحمد لله.
أولاً:
هو عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام، وكانت أمه خوارزمية.
كان مولده في سنة ثماني عشرة ومائة .
وكَانَ فقيها عالمًا عابدًا زاهدًا سخيًا شجاعًا شاعرًا، جمع الْحَديث، والفقة ، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والتجارة، والسخاء.
أثنى عليه الأئمة العلماء، وذكروا من مناقبه وفضائله ما لا يسع المقام لبسطه، نذكر منه :
قَال أَحْمَد بْن حَنْبَل: " لم يكن فِي زمان ابْن الْمُبَارَك أطلب للعلم منه، رحل إِلَى اليمن وإلى مصر وإلى الشام، والبصرة ، والكوفة، وكَانَ من رواة العلم وأهل ذاك، كتب عَنِ الصغار والكبار ، وجمع أمرا عظيمًا ما كَانَ أحد أقل سقطا منه، كَانَ يحدث من كتاب، كَانَ رجلًا صاحب حديث حافظا" انتهى.
وقال محمد بن عبد الله بن قهزاذ : سمعت أبا الوزير يقول: " قدمت على سفيان بن عيينة، فقالوا له: هذا وصي عبد الله . فقال: رحم الله عبد الله، ما خلف بخراسان مثله " انتهى.
وقال المسيب بن واضح: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول : " ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين " انتهى.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: " ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري ، ولا أشد تقشفًا من شعبة، ولا أعقل من مالك بْن أنس، ولا أنصح للأمة من عَبد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك " انتهى.
واجتمع جماعة من أصحاب ابْن الْمُبَارَك ، مثل الفضل بْن مُوسَى ، ومخلد بْن حسين ، ومُحَمَّد بْن النضر ، فقالوا : تعالوا حَتَّى نعد خصال ابْن الْمُبَارَك من أبواب الخير، فقالوا : " جمع العلم ، والفقه ، والأدب ، والنحو ، واللغة ، والشعر ، والفصاحة ، والزهد والورع ، والإنصاف ، وقيام الليل ، والعبادة ، والحج ، والغزو ، والشجاعة ، والفروسية ، والشدة فِي بدنه ، وترك الكلام فِي ما لا يعنيه ، وقلة الخلاف عَلَى أصحابه" انتهى.
وقال عبد الوهاب بن عبد الحكم : لما مات ابن المبارك ، بلغني أن هارون أمير المؤمنين قال : " مات سيد العلماء " انتهى.
وقال الذهبي: " الإمام، شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته " انتهى.
مات سنة إحدى وثمانين ومئة ، وله ثلاث وستون سنة .
ثانيًا:
طلب عبد الله بن المبارك العلمَ وهو ابن عشرين سنة .
وأقدمُ شيخ لقيه هو الربيع بن أنس الخراساني ، تحيل ودخل إليه إلى السجن ، فسمع منه نحوًا من أربعين حديثا .
ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة ، وأخذ عن بقايا التابعين ، وأكثر من الترحال والتطواف إلى أن مات في طلب العلم ، وفي الغزو ، وفي التجارة ، والإنفاق على الإخوان في الله ، وتجهيزهم معه إلى الحج .
قَال عبدان بْن عُثْمَان : " خرج عَبد اللَّهِ إِلَى العراق أول ما خرج سنة إحدى وأربعين ومئة " انتهى.
وقد سمع ابن المبارك من جمع غفير من الأئمة العلماء ، منهم : سليمان التيمي ، وعاصم الأحول ، وحميد الطويل ، وهشام بن عروة ، والأعمش ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، وابن جريج ، ومعمر ، والثوري ، وشعبة ، وابن أبي ذئب ، ويونس الأيلي ، والحمادين ، ومالك ، والليث ، وغيرهم .
وكان رحمه الله يكثر الجلوس في بيته ليقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال نعيم بن حماد : كان ابن المبارك يكثر الجلوس في بيته ، فقيل له : ألا تستوحش ؟
فقال: " كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! " .
وكان رحمه الله ذكيًا سريع الحفظ .
قال الحسن بن عيسى : أخبرني صخر - صديق ابن المبارك - قال :
" كنا غلمانا في الكتاب ، فمررت أنا وابن المبارك ، ورجل يخطب ، فخطب خطبة طويلة ، فلما فرغ ، قال لي ابن المبارك : قد حفظتها .
فسمعه رجل من القوم ، فقال : هاتها .
فأعادها وقد حفظها " انتهى.
وينظر : "سير أعلام النبلاء" (8/ 379-380-389-393)، و"تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (16/ 14-15-16-18)
والله أعلم.