هل يجوز قراءه القرآن في الصلاة بعد الفاتحة بنية التلاوة والدعاء؟ مثلا عندما نقرأ أواخر سورة البقره نقصد بها التلاوه والدعاء: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، فهل يجوز الجمع بين التلاوة والدعاء في الصلاة سواء في الفرض أو النافلة؟
الحمد لله.
إذا عمل المسلم عملا واحدا بنيات متعددة ، ولم يكن بين تلك النيات تعارض ؛ فإنه يرجى أن يؤجر على جميع هذه النيات ، ويحصل له جميع ما نواه ، لحديث عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" من نعمة الله وتيسيره أن العمل الواحد يقوم مقام أعمال، فإذا دخل المسجد وقت حضور الراتبة وصلى ركعتين، ينوي بهما الراتبة وتحية المسجد حصل له فضلهما " انتهى من "القواعد والأصول الجامعة" (ص 168).
ومثال ذلك: الصدقة على الفقير القريب بنية الصدقة وبنية صلة الرحم، فيدرك المتصدق الأجرين.
كما في حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهي راغبة في الصدقة بمال لها: " أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي؟
قَالَ: نَعَمْ، ولَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ القَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ رواه البخاري (1466)، ومسلم (1000).
ومثاله أيضا: صيام الشاب بنية التطوع وبنية حماية نفسه من الشهوات، فيدرك الفضلين.
ومن هذا الباب أدعية القرآن الكريم إذا نوى القارئ التعبد بتلاوة القرآن وبالدعاء الوارد في الآية المتلوة؛ فإنه يدرك الفضلين كليهما.
بل نية الدعاء في هذه الحال مما يعين على التدبر والخشوع ، لأن المصلي يشعر أنه يدعو الله تعالى ، ويتذلل له ، وينتظر الإجابة .
وقد ورد في السنة ما يدل على الجمع بين القراءة والدعاء في سورة الفاتحة ، وذلك في حديثين :
الحديث الأول : وهو حديث قدسي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ )، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ رواه مسلم (395).
فهذا يدل على أن قراءة هذه الآيات في الصلاة هو دعاء وسؤال من العبد لله تعالى ، وأن الله تعالى يستجيب دعاءه .
الحديث الثاني : وهو حديث نبوي .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري (780)، ومسلم (410).
فهذا دليل ثانٍ على أن المصلي يدعو بهذه الآيات.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين، ومعناه: اللهم استجب ...
قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي، وسواء كان منفردا أو إماما أو مأموما، وفي جميع الأحوال ... " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/144 - 145).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (46997 ).
وقد سئل فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، حفظه الله:
" ذكرَ أحدُ الإخوة أنَّ المسلم عندما يقرأ آيات فيها دعاء -كآيات سورة الفرقان مثلا أو آل عمران- أنَّه يستحضرُ نيَّتين: نيَّة قراءة القرآن، ونيَّة الدُّعاء كأنَّه يدعو بها الآن ويرجو إجابة ما يدعو. أشكلَ عليَّ هذا الأمرُ؛ لأننا نقرأُ القرآنَ نتعبَّدُ بتلاوته على أنَّه كلامُ الله تعالى وليس دعاء، فسؤالي: هل يُشرع أن يجمعَ المصلي بين النيَّتين، نيَّة تلاوة القرآن والدَّعاء في نفس الوقت ؟".
فأجاب:
" الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده، أمَّا بعد :
فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأَ آيات متضمِّنةً لأدعية أرشدَ اللهُ إليها أو أخبرَ بها عن أنبيائه وعباده الصَّالحين أن يقصدَ بها الدُّعاء منه لنفسه، مع نيَّة التِّلاوة التي هي الأصل، كالآية الأخيرة مِن سورة البقرة، وآخر "آل عمران" وآخر "الفرقان" وغيرها.
فيجتمعُ في ذلك النِّيَّتان: التِّلاوة والدُّعاء.
وقد تنفردُ فيها نيَّة التِّلاوة إذا لم يستحضر القارئُ نيَّة الدُّعاء.
ويجبُ أن تنفردَ نيَّةُ الدُّعاء، كما لو دعا بها في الرّكوع أو السّجود؛ فإنَّ قراءة القرآن في الركوع والسُّجود منهيٌّ عنها؛ فلا يجوزُ للمصلِّي إذا دعا بهذه الأدعية في الركوع أو السجود أن يقصد بها التّلاوة، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (أَلا وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا).
والدَّليلُ على اجتماع النيَّتين: ما شُرِعَ للمصلي في قراءة الفاتحة، فإنَّه يُطلب مِن المصلي أن ينوي النيَّتين: التلاوة والدُّعاء، في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، ولهذا شُرِعَ لقارئ الفاتحة في الصَّلاة أن يقول إذا فرغ منها: "آمين"، أي اللهم استجب. فبناء على ما تقدَّم: فما نقله السَّائلُ عن بعض الإخوة صحيحٌ، والله أعلم".
انتهى، من "موقع الشيخ"
والله أعلم.