إذا وجدت طرد نحل على شجرة، ولا يعرف مالكه، فهل يحق لي أن أملكه إذا وضعته في صندوق؟ أم يجب علي تعريفه مدة من الزمن كضالة؟ وهل أستطيع نصب مصيدة لإمساك طرود نحل طار من صاحبه لا أعرف من هو لأمتلكه؟
الحمد لله.
أولا:
من وجد نحلا ولم يعلم أنه مملوك لأحد، فله أخذه، سواء كان في أرض إنسان، أو في موات، على شجر أو غيره؛ لأن صاحب الأرض لا يملك النحل إلا إذا هيَّأ له مكانا، كصُنع خلية له. لكن إذا كانت أرضُ الغير مَحُوطَةً، أو كان النحل على شجرة له، فليس لأحد الدخول أو صعود الشجرة إلا بإذن صاحبها، فإن أخذه دون صعود فلا بأس.
وحصل خلاف بين الجمهور والحنفية في العسل إذا كان في أرض، هل يملكه صاحب الأرض؟ وإلى ذلك ذهب الحنفية، لكنهم لم يخالفوا في أن النحل لا يملكه صاحب الأرض دون أن يهيء له مكانا.
قال المرداوي في "الإنصاف" (10/ 439): " قوله (وكذلك إن حصل في أرضه سمك, أو عشش فيها طائر: لم يملكه, ولغيره أخذه) هذا المذهب. قال في الرعاية الكبرى: ولغيره أخذه على الأصح ...
وذكر أبو المعالي: إن عشش بأرضه نحلٌ مَلَكه؛ لأنها معدة لذلك. وفي منتخب الآدمي البغدادي: إلا أن يعد حَجَره وبِرْكته وأرضه له.
وسبق كلامهم في زكاة ما يأخذه من المباح، أو من أرضه وقلنا لا يملكه؛ أنه يزكيه، اكتفاء بملكه وقت الأخذ، كالعسل. قال في الفروع: وهو كالصريح في أن النحل لا يُملك بملك الأرض، وإلا لملك العسل. ولهذا قال في الرعاية، في الزكاة: وسواء أخذه من أرض موات، أو مملوكة، أو لغيره" انتهى.
وجاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 420): " وفي المنتقى: داود بن رشيد عن محمد - رحمه الله تعالى -: نحل اتخذت كوارات في أرض رجل, فخرج منها عسل كثير: كان ذلك لصاحب الأرض, ولا سبيل لأحد على أخذه.
قال: ولا يشبه هذا الصيدَ وبيضه، وأشار إلى معنى الفرق، فقال: إنه يجيء ويذهب، والبيض يصير طائرا ويطير, وإنما يشبه الطير في هذا النحل نفسها.
ولو أَخَذ النحلَ أحد كانت له. وأما العسل فلم يكن صيدا, ولا يصير صيدا قط" انتهى.
وقال ابن رشد في "البيان والتحصيل" (18/ 608): " وقول ابن كنانة: إن للرجل أن يأخذ عسل النحل الذي يجده في شجرة أو في صخرة، إذا لم يُعلم لأحد: صحيح؛ لأنه كالصيد يكون لمن وجده.
وقول مالك: أكره أن ينصب الرجل جبحا [وهي الخلية] في مكان قريب من جِبَاح الناس، وحيث ترعى نحلهم وتسرح، معناه: إذا خشي أن يدخل فيه نحل جباح الناس ولم يتحقق ذلك، وأما لو تحققه لما جاز ذلك له، ولوجب عليه إذا علم ذلك أن يرد العسل إلى صاحب النحل، ولا يكون له في ذلك إلا قيمة كراء جبحه، وبالله التوفيق" انتهى.
وقال الرملي في "نهاية المحتاج" (8/ 120): " ولو عشش في أرضه وباض وفرخ: لم يملكه، كبيضه وفرخه؛ لأن مثل ذلك لا يُقصد به الاصطياد ويكون أحق به، فإن قصد ببنائه ذلك، واعتيد الاصطياد به: ملكه" انتهى.
ثانيا:
إذا طار نحل من صاحبه، جاز وضع مصيدة لأخذه وتملكه،- لكن لا يكون هذا قُرب خلايا الناس كما تقدم- فإن عُلم صاحبه، وأمكن تمييز النحل ردّ إليه.
قال في "المدونة" (1/ 449): " قلت: فلو أن باز الرجل أفلت منه فلم يقدر على أخذه بحضرة ذلك، حتى فات بنفسه ولحق بالوحش، أكان مالك يقول: هو لمن أخذه؟
قال: نعم.
قلت: فهل تحفظ عنه في النحل شيئا إن هي هربت من رجل، ففاتت من فورها ذلك ولحقت بالجبال، أتكون لمن أخذها؟
قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا، ولكن إن كان أصل النحل عند أهل المعرفة وحشية، فهي بمنزلة ما وصفت لك من الوحش في رأيي.
قال: وقال مالك في النحل يخرج من جبح [خلية] هذا إلى جبح هذا، ومن جبح هذا إلى جبح هذا، قال: إن علم ذلك واستطاعوا أن يردوها إلى أصحابها: ردوها، وإلا فهي لمن ثبتت في أجباحه، قال مالك: وكذلك حمام الأبرجة" انتهى.
وفيها (1/ 551): " قلت: أرأيت الأبرجة هل يصاد حمامها أو ينصب لها أو يرمى؟
قال: سئل مالك عن حمام الأبرجة، إذا دخلت حمامُ هذا البرج في حمام هذا البرج، أو حمام هذا في حمام هذا؟
قال مالك: إن كان يُستطاع أن يرد حمام كل واحد منهما إلى برجه: رُد. وإن كان لا يُستطاع، لم أر عليهم شيئا؛ فأرى أن لا يصاد منها شيء، ومن صاده فعليه أن يرده، أو يعرّفه ولا يأكله.
قلت: أرأيت الأجباج إذا نصبت في الجبال فيدخلها النحل، لمن يكون النحل؟
قال: قال مالك: هي لمن وضع الأجباج" انتهى.
والحاصل:
أنه لا يجوز تعمد اصطيادها بالقرب من خلايا الناس، وحدائقهم، وما يجمعون فيه نحلهم.
فإن حصلت في خلايا رجل، وعلم صاحبها، وأمكن تمييزها: ردت إليه، وإلا فهي لمن أخذها أو صادها.
والله أعلم.