في بلدتنا الريفية يوجد طالب علم ومعه أخوة أفاضل يجمعون التبرعات لتشطيب واجهة أحد المساجد بالرخام والبلاط بما يقدر تكلفته بما يزيد كثيرا عن مائتي ألف جنيه مصري، مع العلم أن المسجد مبني بناء كامل ومشطب تماما من الداخل وبه تكييفات لكن جدران المسجد من الخارج من الطوب الاحمر والأسمنت، ثم إنهم ينوون التصرف في مبلغ مالي ضخم تركه أحد الأخوة الذين توفاهم الله وكان قد أوصى بتركه لطلاب العلم وكصدقة جارية في مثل هذا العمل، مع العلم أن هناك في بلدتنا فقراء في أشد الاحتياج إلى العلاج ويوجد بطالة منتشرة بسبب الوضع الحالي للكورونا، كما أن الدعوة متوقفة تماما فلا يقوم أحد في بلدتنا بالحسبة مع أن بعض الأخوة أوصاهم بعمل أعمال دعوية ومطبوعات وملصقات وجولات دعوية لدعوة الشباب، كما تم اقتراح بدعم كتب الأطفال والناشئين لتشجيعهم على حب القراءة، فلهذه المجالات أولوية كما يرى البعض الذين يعترضون على تشطيب الواجهة في مثل هذا التوقيت، فما رأي فضيلتكم مع الدليل من الكتاب والسنة؟
الحمد لله.
أولا:
بناء المساجد والعناية بحفظها ونظافتها أمر مطلوب شرعا.
روى أبو داود (455) والترمذي (594) وابن ماجة (759) من حديث عائشة قالت : "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور وأن تنظف وتطيب." وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 487
ومعنى الدُّور : أي الأحياء والقبائل.
وينظر للفائدة هذا جواب سؤال: فضل تنظيف المسجد
وأما جعل جدارها الخارجي من البلاط والرخام؛ فهذا يُرجع فيه إلى المصلحة، فإن كان ذلك أقوى وأطول عمرا وأكثر نظافة، فهو أولى، لا سيما إذا كان قريبا من تكلفة دهنها بدهان متوسط، ولا يقال: إنه يكتفى بالطوب الأحمر والأسمنت، فالذي يظهر أن هذا يقصر عن نظافة المسجد والمحافظة عليه من المطر والرطوبة.. إلخ.
ثم إن الناس قد ينشطون للتبرع للمسجد ما لا ينشطون للتبرع للفقراء ونحوهم، والمال إذا جمع للمسجد لم يجز صرفه في غير ذلك.
فلا يقال: إن الأولى صرف المال للفقراء؛ لأن الناس إذا لم يُدعوا للتبرع للمسجد، ودُعوا للتبرع للفقراء، فقد لا يستجيب كثير منهم.
فالذي يظهر أنه لا حرج فيما يريده إخوانك من العناية بالمسجد على نحو ما ذكرت، ثم إنهم يُدعون للسعي في أمر الفقراء والمرضى كذلك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله عن المسجد: "إذا بني بناء فيه إحكام وفيه إتقان لا بأس أن يكون فيه حجر، أو سيكون فيه جص، سيكون فيه أسمنت، لكن الزخرفة والنقوش التي تؤذي المصلين، أو بذهب أو فضة أو أشياء من المعادن الأخرى التي لها قيمتها، كل هذا لا يجوز ولا وجه له، فإنما يبنى بالحجر أو بالأسمنت أو بالطين بالخشب لا بأس، أما الزيادة على ذلك كنقوش تؤذي فهذا أقل أحواله الكراهة" انتهى من موقع الشيخ
ثانيا:
من مات ووصى بمال يكون صدقة جارية لطلاب العلم، فيجب تنفيذ وصيته في حدود ثلث تركته، ما لم يأذن الورثة بما زاد عن ذلك.
ولا يجوز أن يوضع المال في طلاء المسجد، بل ولا في بنائه، ويجب أن ينفذ الوقف كما شرط الواقف، فيوضع في عقار مثلا يدر ريعا، يصرف لطلاب العلم صغارا وكبارا، وذلك يشمل إعانتهم، وشراء الكتب لهم، وعمل الدورات الشرعية ونحو ذلك، ما لم يكن الواقف قد حدد طريقة معينة لصرف المال لهم.
قال في دليل الطالب ص 188: "ونص الواقف: كنص الشارع، يجب العمل بجميع ما شرطه؛ ما لم يفض إلى الإخلال بالمقصود." انتهى
قال ابن عوض في حاشيته عليه (2/ 400): "(ونص الواقف كنص الشارع) صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز مخالفته في النص والدلالة وفي وجوب العمل، إلا لضرورة... (ما لم يفض إلى الإخلال بالمقصود)؛ أي يُعمل بشرط الواقف مدة عدم إخلاله بالمقصود الشرعي" انتهى
والله أعلم.