الحمد لله.
أولا:
لا يصح اشتراط ضمان السعر ولا ضمان الصلاحية؛ لما في ذلك من الغرر؛ قد روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ".
والغرر: الجهالة والمخاطرة، وما كان مجهول العاقبة.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع، وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِم. وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْآبِق وَالْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير" انتهى.
ووجه الغرر في اشتراط "ضمان السعر" أنه لا يُعلم كم سينخفض السعر، فقد ينخفض كثيرا أو قليلا، وإذا كان البائع سيتحمل هذا الانخفاض، فهذا يؤدي إلى جهالة الثمن الذي تمت عليه الصفقة، فكأنهما اتفقا على بيع ثمنه عشرة آلاف أو تسعة أو ثمانية، بحسب ما سيكون من انخفاض.
ووجه الغرر في اشتراط "ضمان الصلاحية" أنه لا يدرى ما الذي سيبقى حتى تنتهي صلاحتيه أو تقارب الانتهاء، وهذا يؤدي إلى جهالة المبيع، فكأنهما اتفقا على أن السلعة 100 كرتون أو 90 أو 80.
ولا عبرة بتراضيهما، فإن عقود الغرر محرمة، ولو تراضى عليها المتعاقدان، كما في بيع الملامسة والمنابذة والحصاة، وكلها بيوع محرمة مع كون الناس كانوا يتراضون عليها.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: " أما إن كان حين الشراء لا يعرف حقيقة المال، وإنما اشتراه جزافاً، فالبيع غير صحيح؛ لما فيه من الغرر، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن بيع الغرر)، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن بيع: الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة)؛ لما في ذلك من الغرر.
والملامسة هي: أن يقول البائع للمشتري: أي ثوب لمسته أو لمسه فلان فهو عليك بكذا.
والمنابذة: أن يقول للمشتري: أي ثوب نبذته إليك أو نبذه إليك فلان فهو عليك بكذا.
وبيع الحصاة هو: أن يقول البائع: أي بقعة أو أي ثوب وقعت عليها أو عليه الحصاة فهو عليك بكذا.
وما أشبه هذا التصرف: فهو في حكمه بجامع الغرر؛ لكون المشتري لم يدخل في المعاملة على بصيرة بحقيقة المبيع، والله سبحانه أرحم بعباده من أنفسهم؛ ولهذا نهاهم عز وجل عما يضرهم في المعاملات وغيرها" انتهى من "مجموع الفتاوى والمقالات"(19/89).
والحاصل فساد هذين الشرطين.
ووجه الفساد أنه شرط مناف لمقتضى العقد؛ إذ مقتضى العقد أن السلعة للمشتري، انخفض سعرها أو زاد، تمكن من بيعها أو بقيت حتى انتهت صلاحيتها.
ثانيا:
هذا الشرط الفاسد، هل يفسد به العقد، أم يصح العقد ويلغو الشرط؟
في ذلك خلاف بين الفقهاء.
وقد ذكر الفقهاء ذلك في مسألة شبيهة بضمان الصلاحية، وهي: متى نفق المبيع وراج، وإلا رده المشتري.
قال ابن قدامة رحمه الله: " الرابع: اشتراط ما ينفي مقتضى البيع وهو على ضرين ...
الضرب الثاني: أن يشترط غير العتق مثل أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق ولا يطأ، أو يشترط عليه أن يبيعه أو يقفه، أو متى نفق المبيع؛ وإلا رده، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن، وإن أعتقه فالولاء له= فهذه وما أشبهها: شروط فاسدة.
وهل يفسد بها البيع؟ على روايتين.
قال القاضي: المنصوص عن أحمد: أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي ههنا، وهو قول الحسن والشعبي والنخعي والحكم وابن أبي ليلى وأبي ثور.
والثانية: البيع فاسد وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي" انتهى من "المغني" (4/309).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(46515).
ثالثا:
البديل المشروع أن يكون التاجر وكيلا للشركة في تصريف منتجاتها، بأجرة معلومة، ويجوز أن تقول الشركة: نريد كذا، في كل شيء يباع منها ؛ وما زاد فهو لك. وتكون المنتجات أمانة في يد التاجر، ويرد للشركة ما قارب على انتهاء صلاحيته أو ما عجز عن بيعه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فمسألة التصريف لها طريقان: إما أن يوكله يعني الذي أتى بالخبز أو اللبن يوكل البقال، فيقول: خذ هذا بعه ولك على كل كرتون كذا وكذا، فهذا جائز قولاً واحداً؛ لأنه توكيل بعوض فليس فيه إشكال" انتهى من "الشرح الممتع" (10/28).
وقال الشيخ أبو عمر الدبيان حفظه الله: "بيع التصريف يقع على طريقتين:
الأولى: أن يكون صاحب المحل وكيلًا للمنتج، بأن يقول صاحب البضاعة لصاحب المحل: خذ هذا بعه لي، ولك على كل سلعة تبيعها كذا وكذا، فهذا جائز قولًا واحدًا؛ لأن هذا العمل من قبيل الوكالة بأجرة.
وإذا كان صاحب المحل وكيلًا انطبقت عليه أحكام الوكالة، فتكون يده يد أمانة، فلا ضمان عليه إلا بتعد أو تفريط" انتهى من "المعاملات المالية المعاصرة" للدبيان (5/359).
والله أعلم.