هل يعتبر إعادة الأموال المسروقة دليل إثبات على السرقة؟
تزوجت قبل فترة، وحدثت أربع سرقات في بيت أهلي، وجميع المسروقات لم تكن عائدة لي، وتكفلت زوجتي من ذاتها برد الأشياء المسروقة، وادعت في ذلك أنها هي الغريبة في البيت، وحدثت مشاكل أدت إلى انفصالنا عن بعض، ولكن قبل الانفصال قالت: أنا أتنازل لك عن مقدم المهر ومؤخره، وبعد أن تلفظت بالطلاق قالت: أين شهودك، وبعد المرافعة في المحكمة أقرت المحكمة بدفع المقدم والمؤخر لها، كون الطلاق وقع خارج المحكمة، تواصلت مع أهلها إن لم تتنازل عن مؤخر المهر فسوف أرفع دعوة عليها بالسرقة، فقالوا: احلف يمينا إنها هي من أخذت الأشياء المسروقة، وسوف نتنازل عن المؤخر.
سؤالي:
هل يجوز أن أحلف يمينا أنها هي من سرقت؛ كونها هي من أعادت الأموال والأشياء المسروقة من ذات نفسها، ولم يجبرها أحد على ذلك، وكل الأدلة تثبت أنها هي من قامت بها، ولم تكن ملتزمة بشرع الله تعالى، وكانت تدفعني نحو قبول الرشوة في الوظيفة، وتكذب كثيراً، وهل إعادة المسروق في الشرع يعتبر دليل إثبات على السرقة؛ لأن القانون العراقي يعتبر إعادة المسروق إثباتا على السرقة؟
الحمد لله.
السرقة لا تثبت إلا بالإقرار أو بالبينة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " أن تثبت السرقة عند الحاكم؛ لأنه المتولي لاستيفاء الحدود، فلا يجوز له استيفاء حد قبل ثبوته.
ولا تثبت إلا ببينة، أو إقرار.
فأما البينة: فيشترط أن يكون فيها شاهدين ذكرين حرين مسلمين عدلين.
فإذا وجب القطع بشهادتهما، ثم غابا، أو ماتا: لم يسقط القطع، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وأما الإقرار: فيعتبر أن يقر مرتين، لما روى أبو أمية المخزومي: «أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أتي بلص قد اعترف، فقال له: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع.» رواه أبو داود.
ولو وجب القطع بأول مرة، لم يؤخره.
وعن القاسم بن عبد الرحمن: أن علياً – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أتاه رجل، فقال: إني سرقت، فطرده، ثم عاد مرة أخرى، فقال: إني سرقت، فأمر به علي أن يقطع، وقال: شهدتَّ على نفسك مرتين، وقطع يده. رواه الجوزجاني" انتهى من "الكافي" (4/ 79).
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (6/ 144): " (ويشترط) للقطع (ثبوت السرقة) لأن الله تعالى أوجب القطع على السارق.
ولا يتحقق ذلك إلا بثبوته، (إما بشهادة عدلين)، لقوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282]؛ وإنما خولف في الأموال ونحوها لدليل خاص، فيبقى ما عداه على الأصل. (يصفان السرقة) في شهادتهما، (و) يصفان (الحرز، وجنس النصاب، وقدره)؛ لاختلاف العلماء في ذلك؛ فربما ظن الشاهد القطع بما لا يراه الحاكم…
(أو باعترافٍ مَرَّتَيِن)؛ لما روي عن أبي أمية المخزومي أنه – صلى الله عليه وسلم – «أتي بلص قد اعترف، قال: ما إخالك سرقت. قال: بلى. فأعاد عليه مرتين، قال: بلى. فأمر به، فقطع» رواه أبو داود…
(يذكر فيه) أي اعترافه (شروط السرقة من النصاب والحرز وغير ذلك) أي يصف السرقة في اعترافه، كالزنا في كل مرة؛ لاحتمال ظنه وجوب القطع عليه مع فوات شرط من شروطه" انتهى.
وهذا ما ذهب إليه الجمهور.
وذهب بعض الفقهاء إلى ثبوت السرقة بالقرائن، كوجود المال المسروق مع شخص.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/ 335): "جمهور الفقهاء على أن حد السرقة لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة.
ويرى بعضهم جواز ثبوت السرقة- ومِن ثَمَّ إقامةُ الحد، وضمان المال- بالقرائن والأمارات، إذا كانت ظاهرة الدلالة؛ باعتبارها من السياسة الشرعية، التي تُخرج الحقَّ من الظالم الفاجر.
قال ابن القيم: "لم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع، إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار؛ فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نص صريح لا تتطرق إليه شبهة" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهل هناك طريق ثالث تثبت به السرقة؟
المذهب: أنه ليس هناك طريق لثبوت السرقة سوى هذين الطريقين، وزاد بعض أهل العلم طريقاً ثالثاً، وهي أن يوجد المسروق عند السارق؛ ما لم يدَّعِ شبهة تمنع الحد.
مثال ذلك: ادعى شخص على آخر بأنه سرق ماله، فسألناه: ما هو مالك؟
فقال: مالي هذا الشيءُ المعين -وعيَّنه- وصفته: كذا وكذا، ورقمه كذا وكذا، ولونه كذا وكذا، وفسّره تفسيراً بيناً واضحاً، فقلنا للمدعى عليه: هذا يقول إنك سرقت، فقال: ما سرقت، وليس له عندي شيء أبداً، ثم وجدنا هذا المسروق حسب وصف المدعي موجوداً عنده.
فهذه قرينة تدل على أنه سارق، فيقام عليه الحد وتقطع يده.
وهذا اختيار جماعة كثيرة من أهل العلم، قالوا: إن هذا من جنس ما إذا تقيأ الرجل الخمر، فإنه يحد، كما مضى.
فإن ادعى السارق أنه أخذ هذا المال عارية، أو بيعاً، أو هبة: فهذه شبهة تمنع إقامة الحد، كما ذكرنا فيمن حملت وليس لها زوج ولا سيد، ثم ادعت أن غيرها أكرهها؛ فإنها لا تحد" انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 391).
هذا إذا وجد المال مع المتهم.
وأما إذا تكفل برد المسروق، ولم يوجد معه قبل ذلك، ولا أقر هو بالسرقة: فلا يلزم من ذلك أن يكون هو السارق؛ فقد يكون قد علم بالسارق، وأمكنه أن يأخذه منه.
أو وجده مطروحا في مكان، فأخذه. ويحتمل غير ذلك، مما يبطل الاعتماد عليه في إثبات السرقة.
وأما إذا تكفل إنسان برد مثل المسروق-لا عينه- أو تكفل برد قيمته: فهذا ليس دليلا ظاهرا على السرقة، فقد يفعل ذلك لتقليل الشر وتسكين النفوس ومنع الاتهام له.
وعليه؛ فلا يجوز لك أن تحلف أنها سرقت.
ولو أراد غيرك أن يشهد بالسرقة بناء على تلك القرينة، لم يجز له ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " سبق لنا في الدعاوي، لا يشهد إلا بما يعلمه، فلا يجوز أن يشهد بالقرينة، ولا يجوز أن يشهد بغلبة الظن، بل لا بد من العلم، فلو رأى شخصاً خرج من بيتٍ هارباً، وآخر يلحقه، يقول: هذا الرجل سرق مني، ردوا السارق، ردوا السارق، فهل يشهد بأن هذا الرجل سارق؟
لا يجوز أن تشهد بالسرقة؛ لأنك ما تعلم، ربما أن صاحب البيت دعاه، ولما دعاه أراد منه شيئاً فأبى، فهدده بالقتل، فهرب.
إذن لا تشهد بأنه سارق، لكن هل تشهد بما رأيت، بأنك رأيته هارباً، وصاحب البيت وراءه، يقول: السارق السارق؟
نعم، هذا يجوز، ويبقى النظر للحاكم، فله أن يحكم بما تدل القرائن عليه" انتهى من "الشرح الممتع" (15/ 400).
فلك أن تقول أمام القاضي: إنها تكفلت برد المسروق.
واعلم أن حلفك لا يفيد شيئا، فأنت مدعٍ، وعليك البينة؛ لما روى البخاري (4552)، ومسلم (1711) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ).
وعند البيهقي: (ولكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) وصححه النووي في شرح مسلم، وابن حجر في بلوغ المرام.
والله أعلم.