إحدى السيدات في أحد مواقع التواصل الإجتماعي نشرت تقول: " يلي بتقرأ كلماتي هشتكيك للنبى إن مصلتش عليه أملء فمك بالصلاة على النبي"، فهل قول "هشتكيك للنبي" جائز؟
الحمد لله.
أولا :
الشكوى لا تكون للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، ولا يجوز أن يُعتقد أنه يسمع الشكوى، أو يغيث الشاكي، وإنما تكون الشكوى لله تعالى، أو لحي حاضر فيما يقدر عليه كقاض ومسئول ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " قد بين الله سبحانه في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله الأمين - عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم - أن العبادة حق الله ليس فيها حق لغيره، وأن الدعاء من العبادة؛ فمن قال من الناس في أي بقعة من بقاع الأرض: يا رسول الله أو يا نبي الله أو يا محمد: أغثني أو أدركني أو انصرني أو اشفني أو انصر أمتك أو اشف مرضى المسلمين أو اهد ضالهم أو ما أشبه ذلك؛ فقد جعله شريكا لله في العبادة، وهكذا من صنع مثل ذلك مع غيره من الأنبياء أو الملائكة أو الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غيرهم من المخلوقات، لقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
ولقوله تعالى في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وقوله سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وقوله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ فسمى الدعاء عبادة...
ولا شك أن المستغيث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بغيره من الأولياء والأنبياء والملائكة أو الجن، إنما فعلوا ذلك معتقدين أنهم يسمعون دعاءهم ويقضون حاجاتهم وأنهم يعلمون أحوالهم وهذه أنواع من الشرك الأكبر؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولأن الأموات قد انقطعت أعمالهم وتصرفاتهم في عالم الدنيا، سواء كانوا أنبياء أو غيرهم؛ ولأن الملائكة والجن غائبون عنا مشغولون بشئونهم.
وليس لنا أن نصرف لهم شيئا من حق الله أو ندعوهم مع الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه أمرنا أن نعبده وحده دون ما سواه، وأخبر أنه خلق الثقلين لذلك، كما تقدم ذكر الآيات في هذا
المعنى؛ ولأن جميع المعبودين من دون الله لا يستطيعون قضاء حاجات عابديهم ولا شفاء مرضاهم، ولا يعلمون ما في نفوسهم، وإنما الذي يقدر على ذلك ويعلم ما في الصدور هو الله وحده. ومن الآيات الدالة على ذلك، قوله سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، وسمى سبحانه في هذه الآية دعاء غيره شركا، وفي آية أخرى سماه كفرا، كما في قوله: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.
وبين عز وجل في آية أخرى أن المعبودين دون الله من الأنبياء وغيرهم لا يملكون كشف الضر عن داعيهم، ولا تحويله من حال إلى حال، ولا من مكان إلى مكان، أو من شخص إلى شخص آخر، كما قال عز وجل في سورة الإسراء: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا والآيات في هذا المعنى كثيرة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (2/ 388).
ثانيا :
والظاهر أن هذه المرأة لا تريد حقيقة الكلام وهو رفع الشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بأن فلانا لم يصل عليك، وإنما تريد التهديد والتخويف والحث على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لكنها أخطأت في استعمال هذه العبارة من وجهين :
الأول : أنها جلبت لنفسها سوء الظن بها، وأنها ممن يدعو غير الله أو يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الدعاء والشكوى.
الثاني : أنها تريد أن تلزم الناس بما لا يلزمهم شرعا، وضيقت عليهم في أمر لهم فيه سعة ؛ فليس قراءة كلام أحد من الناس مما يوجب على قارئه أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما المشروع للمسلم أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتأكد ذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
فالذي ينبغي نصح هذه المرأة بما ذكر.
ومن أراد من الناس أن يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فليكن ذلك برفق ولين ، وعلى سبيل النصيحة ، ويبين لهم ما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الحث في الشرع، والفضائل والأجر؛ وليس له أن يلزمهم بشيء لم يلزمهم الله به ، وليتخير العبارات السليمة التي تؤدي إلى ذلك.
والله أعلم.