الرقية الشرعية تجوز من غير المسلم للمسلم، ويشفى بها، وهناك من رقي من السم الذي يجري في الدماء، وبدون غسيل معدة، أو تغيير، أو نقل دم شفي، وعوفي تماما، وكذلك بالنسبة للسحر، والمس، والصرع، والعين يزول تماما بالرقى، ولكن قد يرقي المسلم، ويطول المرض، أو يتوهم الفرد أنه لا يشفى، فما هو معيار سرعة استجابة الرقية، والتداوي بها من الأمراض؟ وما هو معيار جودة الرقية؟
الحمد لله.
أولا:
الرقية نوع من الدعاء، لذا تشرع بالآيات والأذكار الشرعية.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ...
وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار الله تعالى. قال المازري: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يُدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (14 / 169).
والدعاء سبب من الأسباب التي جعلها الله تعالى للشفاء.
ومباشرة الإنسان للسبب لا يلزم منه حصول النتيجة كما هو معلوم، فقد تتخلف النتيجة لعدم تحقق جميع شروط هذا السبب، كرقية الغافل غير المخلص في رقيته أو لوجود مانع كمعاندة المرقي للرقية، كأن يعتقد عدم نفعها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا " انتهى من"زاد المعاد" (4 / 322).
وقد يؤخر الله الشفاء أو يمنعه لحكمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فالدعوة التي ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب، أو مثله. وهذا غاية الإجابة. فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعا. أو مفسدا للداعي أو لغيره؛ الداعي جاهل، لا يعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها. والكريم الرحيم إذا سئل شيئا بعينه وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه: أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له؛ فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى " انتهى من"مجموع الفتاوى" (14/368).
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" من الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف، فإنه موضوع على عكس الأغراض. فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض، فإن دعا وسأل بلوغ غرض، تعبد الله بالدعاء: فإن أعطي مراده شكر، وإن لم ينل مراده، فلا ينبغي أن يلح في الطلب؛ لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ).
ومن أعظم الجهل، أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب ؟!
وهذا كله دليل على جهله، وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة " انتهى من"صيد الخاطر"(ص625– 626).
فالله سبحانه وتعالى، قد يستجيب لرقية الكافر ويحقق بها الشفاء حجة عليه، ولذا كان الله تعالى يستجيب دعاء الكفار عند الشدائد مزيدًا لإقامة الحجة عليهم .
قال الله تعالى واصفا حالهم: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ النحل/53–55.
وقد يؤخر الله تعالى شفاء المؤمن لحكمة، كمزيد أجر له ، وليثيبه على صبره، ونحو هذا.
فالحاصل؛ أن نتيجة الرقية تحت مشيئة الله تعالى فهو الرحيم الحكيم العليم.
ثانيا:
وأما ضابط جودة الرقية، فهي كالدعاء والذكر؛ فلا يشترط لها إلا أن يكون صاحبها مسلما مخلصا صادقا ومستعملا للرقى المشروعة.
طالع الأجوبة التالية:
(ما هي شروط الراقي)، ورقم:(ما هو شروط الدعاء المستجاب عند الله)، ورقم:(جملة من آداب الدعاء).
والله أعلم.