ما حكم تربية الطيور؟ وإذا كان حلالا، فما حكم تربية الغراب؟ وهل فيه تفصيل؟
الحمد لله.
أولا:
تربية الطيور هي من أمور العادة، وأدلة الشرع على أن عادات الناس الأصل فيها الحل والإباحة ولا يحرم منها شيء إلا بدليل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع...
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ) ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه ... وهذه قاعدة عظيمة نافعة " انتهى من"مجموع الفتاوى" (29 / 16 – 18).
وطالع للفائدة جواب السؤال رقم:(48008).
ثانيا:
مما يستثنى من الإباحة تربية الغراب آكل الجيف والمؤذي، فهذا قد جاء الشرع بالأمر بقتله لا بتربيته، كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ رواه البخاري (3314)، ومسلم (1198).
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
" أصل الفسوق: الخروج عن الاستقامة، والجور، وبه سمي العاصي فاسقا، وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق، على الاستعارة لخبثهن " انتهى من"النهاية في غريب الحديث" (3 / 446).
وقال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى:
" وسميت هذه الخمس فواسق لخروجها عن الحرمة التي لغيرهن، وأن قتلهن للمحرم وفي الحرم مباح، فالغراب ينقر ظهر البعير وينزع عينه إذا كان مسيرا، ويختلس أطعمة الناس، والحدأة كذلك تختلس اللحم والفراريج، والعقرب تلدغ وتؤلم، والفأرة تسرق الأطعمة وتفسدها وتقرض الثياب وتأخذ الفتيلة من السراج وتضرم بها البيت، والكلب العقور يجرح الناس " انتهى من"عمدة القاري" (10 / 183).
وما دام قد جاء الأمر بقتل هذه الخمس، فيلزم منه النهي عن الاحتفاظ بها وتربيتها.
قال بدر الدين الزركشي الشافعي رحمه الله تعالى:
" يحرم على المكلف اقتناء أمور:
منها: الكلب لمن لا يحتاج إليه، وكذلك بقية الفواسق الخمس: الحدأة والعقرب والفأرة والغراب الأبقع والحية " انتهى من"المنثور" (3 / 80).
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى:
" وما وجب قتله: حرم اقتناؤه وتعليمه " انتهى من"المغني" (13 / 268).
لكن إذا تحقق أن هذا الغراب هو من نوع غراب الزرع الذي لا يؤذي ولا يأكل الخبائث، فهذا قد أجيز أكله، فلا يدخل في جنس الغراب الذي أمرنا بقتله.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك، ويقال له غراب الزرع، ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله...
وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا. وكذا استثناه بن قدامة وما أظن فيه خلافا " انتهى من"فتح الباري" (4 / 38).
وما جاز أكله وحل لحمه جازت تربيته.
هذا؛ إن أمكنه التمييز بين غراب الزرع المذكور، والغراب المأمور بقتله؛ وإلا، لزمه أن يجتنب الغراب كله، فلا يقتنيه، ولا يأكله.
وينظر حول "الزاغ" أو "غراب الزرع" :
https://bit.ly/3zF4Xqr
وأيضا:
https://bit.ly/39m7I5t
والله أعلم.