أرض موات منذ أربعين سنة، أحياها والدي، وأعطاني إياها، الآن جاء من يدعي أنه مسؤول أملاك الدولة، قال: هذه الأرض لنا، وسنأجرها لك، وعليك كتابة عقد إيجار، فماهو موقف الشرع؟
الحمد لله.
أولا:
الأرض الموات هي الخالية من ملك معصوم، أو مختص، وهو ما قرُب من عامر القرية وتعلقت به مصالحه، كطرقه وفنائه، وهو المتَّسع أمامه، ومرعى الدواب، ومكان المحتطب، ومصلى العيد ونحو ذلك.
قال في "كشاف القناع "(4/ 185،187): " (وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصيات وملك معصوم) مسلم، أو كافر، ويأتي بيان الاختصاصات ...
(ولا يُملك بإحياءٍ: ما قرُب) عرفا (من العامر، وتعلق بمصالحه، كطرقه، وفنائه) -ما اتسع أمامه - (ومُجتمع ناديه)، أي جماعته (ومَسيل مياهه، ومَطرح قمامته، ومَلقى ترابه، و) ملقى (آلاته) التي لا نفع بها، (ومرعاه، ومُحتَطَبُه، وحريم البئر، و) حريم (النهر، و) حريم (العين، ومُرتَكَض الخيل)، أي المحل المعد لركضها، (ومدافن الأموات، ومُناخ الإبل، والمنازل المعتادة للمسافرين حول المياه، والبقاع المُرصدة لصلاة العيدين، و) لصلاة (الاستسقاء، و) لصلاة (الجنائز، و) البقاع المرصدة لـ(دفن الموتى)، ولو قبل الدفن" انتهى.
ثانيا:
إذا كانت الأرض مواتا، وأحياها والدك بحفر بئر فيها، أو إحاطتها بسور، أو إيصال الماء إليها، فهي له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ رواه البخاري معلقا بصيغة التمريض، في باب: من أحيا أرضا مواتا، ورواه أبو داود (3073)؛ والترمذي (1378) وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (897)، وذكر له طرقا أخرى في الفتح (5/19)، ثم قال: " وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض "، وينظر: إرواء الغليل (5/553).
وورى البخاري (2335) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ.
فإذا مات والدك انتقلت إليك ميراثا، وليس لأحد أن ينازعك فيما تملك.
قال في "كشاف القناع" (4/186): " (ومتى أحيا أرضا ميتة فهي له) أي للمحيي (مسلما كان) المحيي (أو ذميا)، وسواء أحياها (بإذن الإمام، أو) بـ (غير إذنه، في دار الإسلام وغيرها)؛ لعموم ما سبق من الأخبار؛ ولأنها عين مباحة فلم يفتقر ملكها إلى إذن الإمام، كأخذ المباح.
وهو مبني على أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال" انتهى.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "... قال في المغني : وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالأحياء، وإن اختلفوا في شروطه، فمن أحيا أرضاً ميتة بما يعد إحياء ملكها، وإن تحجرها صار أحق بها من غيره، وورثتُه من بعده أحق به، لحديث (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو احق به) رواه أبو داود.
ومما تقدم يُعلم: أن معارضة البلدية لمن سبق إلى أرض لا محل لها؛ للأدلة المتكاثرة الدالة على إباحة الإحياء، والملك به؛ ولو بلا إذن الإمام، خلافاً لأبي حنيفة" انتهى من "فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (8/197).
وأما إذا لم تكن مواتا؛ كأن كانت الأرض قريبة من العمران، وهي مرعى لأهله، أو محتطب لهم، أو مطرح قمامتهم أو غير ذلك من الاختصاصات التي ذكرنا؛ فلا يجز لأحد إحياؤها، ولا تُملك بالإحياء.
والله أعلم.