في حديث سمرة رضي الله عنه: أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين والمشركين"ـ، بينما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صل الله عليه(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ...) إلي أن قال. (ويكتب له رزقه، وأجله، وشقي أو سعيد)، فإذا مات الصبي مابين ١٠ إلي ١١ سنة هل يكون مع سيدنا إبراهيم عليه السلام، حتى وإن كان قد كتب له إنه شقي؟
الحمد لله.
عن سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ:
إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي: انْطَلِقْ! وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا...
فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا، مَا هَؤُلاَءِ؟...
قَالاَ لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ...
أَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ
رواه البخاري(7047).
هذا الحديث استدل به أهل العلم على نجاة وسعادة من مات صبيا من أبناء المسلمين وحتى من أبناء المشركين.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون: أنهم من أهل الجنة. ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس، قالوا: يا رسول الله! وأولاد المشركين؟ قال: (وأولاد المشركين) رواه البخاري في صحيحه، ومنها قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، ولا يتوجه على المولود التكليف، ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ. وهذا متفق عليه، والله أعلم " انتهى من"شرح صحيح مسلم" (16/208).
وهذا الاستدلال لا يعارضه ما ورد في حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ... ) رواه البخاري (3208)، ورواه مسلم(2643) بلفظ: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ .. .
لأن حقيقة التعارض: أن يكون بين مدلولي الخبرين تمانع.
قال الزركشي رحمه الله تعالى:
" حقيقته: تفاعل من الْعُرْضِ، وهو الناحية والجهة، وكأن الكلام المتعارض يقف بعضه في عُرض بعض، أي: ناحيته وجهته، فيمنعه من النفوذ إلى حيث وُجِّه.
وفي الاصطلاح: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة " انتهى من"البحر المحيط"(6/109).
وهنا لا وجود للتمانع، فمدلول الحديث الأول نجاة من مات طفلا قبل البلوغ، يعني أنه ممن كتبت له السعادة وهو في بطن أمه.
وهذا ظاهر في أولاد المسلمين؛ لأنهم من أهل الجنة، للاتفاق الحاصل على ذلك.
وأما أولاد المشركين، فإما أن يكونوا ممن سبقت لهم السعادة بموتهم أطفالا، على القول بأنهم من أهل الجنة أيضا، كما سبق في كلام النووي رحمه الله تعالى.
وإما أن يكون المراد بأولاد المشركين الذين علم الله أنهم إذا اختبروا سعدوا ونجوا، وهذا على القول الآخر المشهور بأن أولاد المشركين يمتحنون في الآخرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا: لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة؛ لأن الله سبحانه قال: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )، فكل من كان في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة، فإن أجابوا صاروا إلى الجنة، وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة، وأشباههم كأطفال الكفار؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: ( الله أعلم بما كانوا عاملين )، فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين. وقال جمع من أهل العلم: إن أطفال الكفار من الناجين؛ لكونهم ماتوا على الفطرة؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم حين دخل الجنة في روضة مع إبراهيم عليه السلام هم وأطفال المسلمين.
وهذا قول قوي لوضوح دليله.
أما أطفال المسلمين فهم من أهل الجنة بإجماع أهل السنة والجماعة. والله أعلم وأحكم" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ بن باز" (5/182).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال:
أحدها: أنهم في الجنة، واحتجوا بحديث سمرة أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم أولاد المسلمين وأولاد المشركين...
وهذا استدلال صحيح، ولكن أحاديث الامتحان أخص منه. فمن علم الله عز وجل منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة، ومن علم منه أنه لا يجيب، فأمره إلى الله تعالى، ويوم القيامة يكون في النار كما دلت عليه أحاديث الامتحان، ونقله الأشعري عن أهل السنة والجماعة " انتهى من"تفسير ابن كثير"(5/59).
وقد سبق بيان هذا الأقوال في جواب السؤال رقم:(6496).
والحاصل:
أن حديث الكتابة المعروف، لا يعارض أن يكون الأطفال في الجنة، فإنه يؤمر بكتابته : شقي أو سعيد؛ وهذا الكتابة لعامة لكل الخلائق، فلا يمنع ذلك أن يكون الأطفال الذين يموتون صغارا : قد كتبوا جميعا من السعداء ، على ما دل عليه حديث سمرة ، وأنهم في الجنة . أو يكتب من علم منهم نجاته في امتحان الآخرة : من السعداء، أو من الأشقياء إن كان لا يوفق في امتحان الآخرة ولا يهدى للفلاح، على القول بأنهم يمتحون؛ وقد علم الله تعالى ما يكون من عاقبة أمر كل منهم؛ وشقي هو أم سعيد .
والله أعلم.