ما حكم عدم الاستئذان عند استعمال أغراض الناس مع علمنا أنه موافق على ذلك؟
الحمد لله.
الأصل تحريم الانتفاع بمال الغير إلا بطيب نفس منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662).
وروى أبو داود (5003) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى أحمد (27803) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5/280).
قال الصنعاني في "سبل السلام" (3/61) :" والأحاديث دالة على تحريم مال المسلم إلا بطِيبة من نفسه، وإن قلّ ، والإجماع واقع على ذلك" انتهى.
فإن علم رضى الإنسان باستعمال أشيائه فلا حرج حينئذ؛ لما تقدم من الأحاديث ولقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ النور/61.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (12/315):" قوله تعالى: (أو صديقكم) ... والصديق من يَصْدُقك في مودته، وتَصْدُقه في مودتك.
ثم قيل: إن هذا منسوخ بقوله: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) [الأحزاب: 53]، وقوله تعالى: (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها) [النور: 28] الآية، وقوله عليه السلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه".
وقيل: هي محكمة، وهو أصح. ذكر محمد بن ثور عن معمر قال: دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبا، فجعلت آكله، فقال: ما هذا؟ فقلت: أبصرت رطبا في بيتك فأكلت. قال: أحسنت، قال الله تعالى: (أو صديقكم). وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: (أو صديقكم) قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته [أي استئذانه]؛ لم يكن بذلك بأس.
وقال معمر: قلت لقتادة: ألا أشرب من هذا الحُبّ [أي الجرة]؟ قال: أنت لي صديق! فما هذا الاستئذان؟
وكان صلى الله عليه وسلم يدخل حائط أبي طلحة المسمى ببيرحا، ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه، على ما قاله علماؤنا، قالوا: والماء متملَّك لأهله. وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه، جاز الأكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس صاحبه تطيب به، لتفاهته ويسير مؤنته، أو لما بينهما من المودة.
ومن هذا المعنى: إطعام أم حرام له صلى الله عليه وسلم إذا نام عندها؛ لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل، وأن يد زوجته في ذلك عارية.
وهذا كله ما لم يتخذ الآكل خُبنة [أي لا يأخذه في ثوبه ونحوه]، ولم يقصد بذلك وقاية ماله، وكان تافها يسيرا" انتهى.
وقال السعدي رحمه الله في تفسيره ص575: " وفي هذه الآيات دليل على قاعدة عامة كلية وهي: أن " العرف والعادة مخصص للألفاظ، كتخصيص اللفظ للفظ "؛ فإن الأصل أن الإنسان ممنوع من تناول طعام غيره، مع أن الله أباح الأكل من بيوت هؤلاء، للعرف والعادة، فكل مسألة تتوقف على الإذن من مالك الشيء، إذا علم إذنه بالقول، أو العرف، جاز الإقدام عليه" انتهى.
وعلى ذلك؛ فإذا علمت أن هؤلاء الناس يرضون باستعمالك أشياءهم، فلا حرج في استعمالها دون استئذانهم؛ لحصول الإذن العرفي.
والله أعلم.