الحمد لله.
أولا:
إذا كان والدك قد وصى بإخراج صدقة جارية عنه بعد وفاته تقدر بمليون، وخصصت المحكمة عقارا قيمته مليونان، وكان نصيبك من الإرث مليونا، فهذا يعني أن العقار صار مشتركا بينك وبين الوقف.
ثانيا:
الأصل تحريم بيع الوقف أو إبداله، ما لم تتعطل منافعه، أو تظهر مصلحة راجحة، فيباع ويوضع ثمنه في عقار أنفع منه.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عن الواقف والناذر يوقف شيئا؛ ثم يرى غيره أحظ لموقوف عليه منه هل يجوز إبداله؛ كما في الأضحية؟
فأجاب:
وأما إبدال المنذور والموقوف بخير منه، كما في إبدال الهدي: فهذا نوعان:
أحدهما: أن الإبدال للحاجة مثل أن يتعطل، فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه: كالفرس الحبيس للغزو، إذا لم يمكن الانتفاع به للغزو؛ فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، والمسجد إذا خرب ما حوله، فتنقل آلته إلى مكان آخر، أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه، أو لا يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف، فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه.
وإذا خرب ولم تمكن عمارته، فتباع العرصة ويشترى بثمنها ما يقوم مقامها:
فهذا كله جائز؛ فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود، قام بدله مقامه.
والثاني: الإبدال لمصلحة راجحة: مثل أن يبدل الهدي بخير منه، ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه، وبِيع الأول: فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء. واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر؛ وصار الأول سوقا للتمارين؛ فهذا إبدال لعرصة المسجد.
وأما إبدال بنائه ببناء آخر؛ فإن عمر وعثمان بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بناء غير بنائه الأول، وزادا فيه؛ وكذلك المسجد الحرام، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض؛ ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرج الناس منه. فلولا المعارض الراجح لكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بناء الكعبة.
فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة؛ لأجل المصلحة الراجحة.
وأما إبدال العرصة بعرصة أخرى: فهذا قد نص أحمد وغيره على جوازه، اتباعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك عمر واشتهرت القضية ولم تنكر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/252).
وقال في زاد المستقنع: " وَالوَقْفُ عَقْدٌ لاَزِمٌ، لا يَجُوزُ فَسْخُهُ، وَلاَ يُبَاعُ؛ إِلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنافِعُهُ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع"(11/59):
"قوله: إلا أن تتعطل منافعه؛ ففي هذه الحال يجوز أن يباع، كرجل أوقف داره على أولاده، فانهدمت الدار، فيجوز أن تباع.
وقوله: ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه ظاهره: أنه لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الصورة؛ لأن من القواعد المقررة (أن الاستثناء معيار العموم)؛ يعني يدل على العموم فيما عدا الصورة المستثناة، فعلى هذا لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وهي إذا تعطلت منافعه.
فإن نقصت المنافع ولم تتعطل، فإنه لا يباع، فيبقى على ما هو عليه حتى تتعطل، ولا يكون فيه فائدة.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جواز بيعه للمصلحة بحيث ينقل إلى ما هو أفضل" انتهى.
ثم نبه رحمه الله على أن البيع لا يكون إلا بعد الرجوع للحاكم، فقال: " وما اختاره شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هو الصواب.
لكن في هذه الحال يجب أن يمنع من بيعه أو إبداله إلا بإذن الحاكم؛ لأنه قد يتعجل الموقوف عليه، ويقول: أبيعه لأنقله إلى ما هو أفضل، ويكون الأمر على خلاف ظنه، فلا بد من الرجوع إلى الحاكم ـ يعني القاضي ـ في هذه الحال؛ لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف.
مثال ذلك: إنسان أوقف عمارة على طلبة العلم في مكان كان من أحسن الأمكنة حين الإيقاف، لكن تغير الوضع وصار محل الطلب في جهة أخرى، فهل يجوز أن يبيع هذه العمارة ليشتري عمارة أخرى قريبة من مواطن العلم؟
أما على المذهب فلا؛ لأن منافعها لم تتعطل، وأما على القول الراجح، فيجوز، ولكن لا بد من مراجعة الحاكم؛ لئلا يتلاعب الناس بالأوقاف" انتهى.
فإذا وجدت مصلحة لإبدال الوقف، فإنه يباع ويوضع ثمنه في وقف آخر.
وإذا كنت قد بعت العقار بثلاثة ملايين، فإن حظ الوقف من ذلك مليون ونصف، وكان عليك مراجعة المحكمة قبل البيع، وقد أخطأت بعدم الرجوع، وعليك الآن مراجعتها لترى المحكمة هل يوضع المال في عقار آخر، أو غير ذلك.
والله أعلم.