هل يجوز اتخاذ كلب بغرض الحراسة داخل شقة لامرأة تعيش لوحدها بلا مرافقين، إذا لا يوجد أي فرصة إلا أن يوضع الكلب داخل الشقة بغرض الحراسة، فما الحكم؟ وهل الملائكة ستمتنع من دخول البيت أم لا؟ وما حكم الصلاة إذا امتنعت الملائكة من دخول البيت؟ وهل إذا خصصنا غرفة محددة لا يدخلها الكلب، فهل الملائكة تدخل هذه الغرفة أم تمتنع من دخول البيت كاملًا؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز اقتناء الكلاب، إلا كلب الصيد، أو حراسة الماشية، أو حراسة الزرع.
والدليل على ذلك ما رواه البخاري (2145) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ إِلا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ.
وروى مسلم (2974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ .
وروى مسلم (2943) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ .
ثانيا:
اختلف العلماء في اقتناء الكلب لغير هذه الثلاثة، كحراسة البيوت وأهلها، وأكثر العلماء على الجواز، وهو الراجح.
قال النووي رحمه الله: " اختلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة، كحفظ الدور والدروب، والراجح: جوازه قياساً على الثلاثة عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة " انتهى من "شرح مسلم"(10/236).
وهذا عند الحاجة لحفظ البيت، وليس وجود المرأة وحدها في البيت مسوغا لاتخاذ الكلب، ما لم تكن تخشى على نفسها، لكونها في منطقة نائية، أو ليس حولها جيران ونحو هذا، وكان في وجود الكلب معها تحقيق لمصلحة الحراسة، وليس لمجرد لأنس به، أو الفرجة عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" وعلى هذا؛ فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أنْ يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرماً لا يجوز، وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أنْ يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه.
وأما لو كان هذا البيت في البر خالياً، ليس حوله أحدٌ فإنَّه يجوز أنْ يقتني الكلب لحراسة البيت ومَن فيه، وحراسةُ أهلِ البيت أبلغُ في الحفاظ مِن حراسة المواشي والحرث " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين"(4/246).
ثالثا:
إذا دعت الحاجة لوجود الكلب، ولإدخاله المنزل، فنبغي أن يكون في غرفة خاصة؛ منعا لتنجيس المنزل، وذلك لا يمنع دخول الملائكة بقية المنزل إن شاء الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ رواه البخاري(5961)، ومسلم (2104)، والبيت في عرفهم يراد به الغرفة وليس المنزل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :"إذا كانت الصورة محرمة، فالظاهر -والله أعلم- أنه إذا كانت في حجرة فإن ذلك لا يشمل كل البيت، لا سيما إذا كان أهل البيت قد كرهوا ذلك؛ لأنه يوجد في بعض العوائل يكون واحد منهم قد استهوته الشياطين، وصار يقتني الصور ويضعها عنده أو يعلقها على الجدار، وأهل البيت يكرهون ذلك لكن لا يستطيعون منعه، ففي هذه الحال إن أهل البيت الذين يكرهون ذلك لا تمتنع الملائكة من دخول بيتهم.
وأما الحجرة التي فيها الصور، فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (75/28).
بل الكلب المأذون في اقتنائه لا يمنع دخول الملائكة في الغرفة أيضا على الراجح.
قال النووي رحمه الله: " قال الخطابى: وانما لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة، مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام، من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تُمتهن في البساط والوسادة وغيرهما، فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه. وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي" انتهى من "شرح مسلم" (14/84).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (26/163): " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة مخرج في (الصحيحين). السؤال: من كان يربي الكلب للضرورة مثل حراسة الدجاج، فما رأي الدين في ذلك؟
ج: من اقتنى كلبا لصيد أو حراسة: كان ذلك جائزا له، فلا يمنع الملائكة من دخول البيت.
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى.
والحاصل:
أنه إن وجدت حاجة للحراسة، خوفا من اللصوص ونحوهم، ولم يكن بد من إدخال الكلب الشقة، فلا حرج، وينبغي أن يكون في غرفة خاصة به منعا لتنجيس بقية المنزل.
والله أعلم.