ظلمني زوجي بعد أن انحرف عن الدين، وترك الصلاة، وأراد تزويج بناتي الأربع صغاراً؛ طمعاً في المال، وكان يضربني ويضربهن، ولا ينفق علينا، ونطق الكفر صراحة عدة مرات في غضبه، وحدثت علناً أمور أشارت لارتكابه كبيرة الزنا مع عدم توفر أدلة على ذلك حالياً، فلما اشتد ظلمه، وأصر على بقائي معه رغم نطقه الطلاق أكثر من ثلاثة مرات، وكاد يودي بمستقبلي ومستقبل بناتي، هربت من المنزل معهن إلى بلد آخر، وكن وقتها يافعات بين الثالثة عشر والخامسة، ومر على هربنا الآن خمس سنوات، جاءت فيها تهديدات، وتوعدات من طرفه عن سوء ما سيفعل بنا إن وجدنا، الآن صارت الفتيات في عمر الزواج، وتقدم شباب مسلمون أكفاء لهن، أنا كوالدتهن لا يحق لي تزويجهن بلا ولي، وإعادة التواصل مع والدهن أو أهله انتحار، فهل تسقط الولاية عنه، ومن يكون لهن ولياً من دونه؟
الحمد لله.
يشترط لصحة النكاح عند جمهور الفقهاء: أن يعقده ولي المرأة أو وكيله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي رواه أبو داود(2085)، والترمذي(1101)، وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (7557).
وقوله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه أحمد (24417)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم:(2709).
وولي المرأة هو أبوها، ثم ابنها البالغ إن وجد، ثم جدها، ثم أخوها، ثم ابن أخيها، ثم عمها، ثم ابن عمها، على الترتيب.
ويشترط في ولي المسلمة: أن يكون مسلما، فإن كان والد الفتاة تاركا للصلاة مستمرا على الترك، فإنه يكفر على الصحيح من كلام أهل العلم ولا يصح أن يكون وليا، وتنتقل الولاية لمن بعده من العصبة.
وكذا التلفظ بالكفر لو كان مستمرا عليه، لم يتب منه؛ فإنه لا ولاية له.
وإذا غلب على الظن أن الأولياء لن يزوجوا بناتك، وخشيت ضررا ظاهرا بإخبارهم، فإنه في هذه الحالة يزوجها القاضي الشرعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وإذا تعذر من له ولاية النكاح، انتقلت الولاية إلى أصلح من يوجد، ممن له نوع ولاية في غير النكاح، كرئيس القرية، وأمير القافلة ونحوه" انتهى من "الاختيارات"، ص 350
وقال في "كشاف القناع" (5/ 52): " (فإن عدم الولي مطلقا)، بأن لم يوجد أحد ممن تقدم، (أو عضل) وليها ولم يوجد غيره: (زوّجها ذو سلطان في ذلك المكان، كوالي البلد أو كبيره أو أمير القافلة ونحوه) لأن له سلطنة، (فإن تعذر) ذو سلطان في ذلك المكان، (زوجها عدل بإذنها. قال) الإمام (أحمد في دِهقان قرية) - أي (رئيسها- : يزوج من لا ولي لها، إذا احتاط لها في الكفؤ والمهر، إذا لم يكن في الرُّستاق [=القرية، أو ناحية الإقليم] قاضٍ)؛ لأن اشتراط الولاية في هذه الحالة يمنع النكاح بالكلية، فلم يجز، كاشتراط كون الولي عَصَبة في حق من لا عصبة لها" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "إذا كانت المرأة في بلاد ليس فيها ولي، لا أخ ولا أب ولا ابن عم، فإن الحاكم يقوم مقام الولي، وليها الحاكم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ولي من لا ولي له)، فالحاكم يقوم مقام وليها ويكون هو وليها، يزوجها أو يوكل من يزوجها.
فإذا كانت في بلاد ليس فيها حاكم، لا قاضٍ ولا ولي، كالأقليات الإسلامية في بلاد الكفر، فليزوجها رئيس المركز الإسلامي إذا كان عندهم مركز إسلامي؛ لأنه بمثابة السلطان عندهم، ورئيس المركز الإسلامي ينظر لها، ويزوجها بالكفء إذا كان ليس لها أولياء، وليس هناك قاضٍ.
وإذا كان الولي بعيداً: يخاطب، يكاتب حتى يرسل الوكالة. أما إذا كان لا يعرف محله: فالولي الذي بعده يقوم مقامه، الذي أدنى منه يقوم مقامه، فإذا كان ما لها ولي سوى الغائب الذي يجهل مكانه، فالسلطان يقوم مقامه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن باز" (20/ 200).
والله أعلم.