لدي سؤال عن ماء زمزم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه طعام طعم)، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (منذُ كم أنتَ هاهُنا؟) قال: قلتُ : منذُ ثلاثينَ يومًا وليلةً، قال : (منذُ ثلاثينَ يومًا وليلةً!)، قال : قلتُ : نعَم ، قال: (فما طعامُكَ؟) قلتُ : ما كان طعامٌ ولا شرابٌ إلا ماءَ زمزمَ، ولقد سمِنتُ حتى تكسَّرَتُ عُكَنُ بَطني". فسؤالي هنا بما أن ماء زمزم لا تحتوي علي نشويات، ولا بروتينات، ولا دهون، فكيف سمن أبو ذر رضي الله عنه من غير المركبات الثلاثة المذكورة، وهي التي تجعل الانسان سمينا، مع العلم أنه وجد في ماء زمزم عناصر غنية لا توجد في المياه الأخرى مما تغني عن الطعام، وتجعله نشيطا، ويمارس حياته كأنه أكل طعاما، ومن وظائف هذه العناصر تفيد عمل الأعصاب والعضلات، ولكن تعلقت بي شبهة السمن؟ فإن الزيادة في الوزن تحتاج لنشويات ودهون؟ أم إن هذا من أوجه الإعجاز، والماء مبارك من الله سبحانه وتعالى، ولا تحدث لأي شخص؟ وهناك أبحاث علمية موثوقة من مسلمين معروفين ومثبتة تقول: إن من فوائد ماء زمزم أنه يعمل على إنقاص الوزن، وهي ميزة من ميزات ماء زمزم، فهل هنا نفهم أن هذا الاختلاف في الحالتين التين ذكرتهما هو بمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ماء زمزم لما شرب له)؟ أرجو منكم التوضيح، ودحض هذه الشبهة.
الحمد لله.
أولا:
ما ذكرته من وجود دراسات عن ماء زمزم تثبت اشتماله على مواد تنحف الجسم وتزيل سمنه، فهذه الدراسات لا نستطيع القطع بصحتها من خطئها، فالله أعلم بها.
ثانيا :
جاء في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه أنه قال:
""... وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ - قَالَ أَبُو ذَرٍّ - فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ... ثُمَّ قَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قَالَ: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ... " رواه مسلم (2473).
فأبو ذر رضي الله عنه سمن من شرب ماء زمزم ، ولا يقال : كيف يكون هذا مع خلو ماء زمزم من الدهون والكربوهيدرات ؟!
فإن ذلك لبركة ماء زمزم التي جعلها الله فيه، وكرامةً ظاهرة من الله تعالى لأبي ذر رضي الله عنه ، حيث جاء مهاجرا إلى النبي صلى الله علي وسلم واستخفى في حرم الله، فأكرمه الله بتلك الكرامة.
والسِّمن والنحافة وإن كان لهما علاقة بنوع الطعام الذي يتغذى عليه الإنسان، إلا أن تلك العلاقة ليست حتمية، فلهما (السمن والنحافة) أسباب أخرى تؤثر فيهما يتكلم عليها المختصون في هذا المجال، وقبل كل ذلك وبعده إرادة الله تعالى ومشيئته.
وأنت ترى أهل البيت الواحد يأكلون من نوع الطعام نفسه السنوات الطوال، ومع ذلك يسمن بعضهم، وينحف آخرون.
وترى الرجلين يتبعان نظام الحمية الغذائية نفسه، فينحف أحدهما، ولا ينحف الآخر، فالأمور كلها بمشيئة الله وإرادته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
ثالثا :
روى ابن ماجه (3062) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَاءُ زَمْزَمَ، لِمَا شُرِبَ لَهُ.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فالحديث إذًا حسن، وقد صححه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعا، وكلا القولين فيه مجازفة.
وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد، قريبا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوما، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مرارا" انتهى من"زاد المعاد" (4/361).
فلو أخذ مسلم بعموم هذا الحديث، وشربه لما يريده من استشفاء أو اغتذاء، أو نحو ذلك: فنرجو أن يحصل له ما أراد.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(6831)، و(6383)، و(150368) .
والله أعلم.