الحمد لله.
يجوز للإنسان أن يسأل الله أن يمده بملائكته، وأن يقرأ آية الكرسي مستحضرا أن الملك سيحفظه بعد قراءتها.
وقد روى البخاري (5010) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّ الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ).
فمن قرأ آية الكرسي بنية أن يحفظه الملك فلا حرج عليه.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يؤيد حسان بن ثابت بروح القدس، وهو جبريل عليه السلام، كما روى البخاري (3212)، ومسلم (2485) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:" أَنَّ عُمَرَ، مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَجِبْ عَنِّي، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ.
قال القرطبي في "المفهم" (20/ 144): " وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أيده بروح القدس)، أيده : قوِّه ، والأَيْد : القوة. ومنه قوله تعالى : والسماء بنينها بأيد ؛ أي : بقوة .
وروح القدس: هو جبريل عليه السلام ، كما قال في الرواية الأخرى: (اهجهم، أو هاجهم، وجبريل معك)، أي: بالإلهام، والتذكير، والمعونة" انتهى.
ولا وجه للشرك هنا، فأنت تسأل الله وحده، ولا تسأل غيره، ولا تستعين بغيره، إنما تسأله أن يعينك ويمدك بالملك، كما تسأله أن يعينك بالطعام وبالولد وغيره.
والأولى أن يقتصر الإنسان على سؤاله المدد والعون والحماية دون تحديد الوسيلة، فيقول: اللهم انصرنا وأعنا واحفظنا، كما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء أصحابه، والله يحفظ عبده بما شاء أن يحفظه به ؛ وقد قال الله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ).
وأن يقرأ آية الكرسي بنية أن يحفظه الله، فيعلق قلبه بالله، ولا يعلق قلبه بالملك.
روى أحمد (1997)، وأبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3880) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:84] يَدْعُو: (رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ، مُخْبِتًا، أَوْ مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي) وصححه الترمذي، والألباني.
والله أعلم.