الحمد لله.
أولا:
المقصود بركعتي الإشراق: هما الركعتان بعد طلوع الشمس وخروج وقت النهي ، لمن جلس يذكر الله بعد صلاة الفجر، كما ورد في حديث أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ : كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ) .
رواه الترمذي (586)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ "، وحسّنه الشيخ الألباني بشواهده في "السلسلة الصحيحة" (7/1195).
وقد تكلم بعض أهل العلم على هذا الحديث، وما ورد فيه من الفضل الخاص، إلا أن استحباب الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر لذكر الله، حتى تطلع الشمس: ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، حتى ولو لم يثبت هذا الحديث الذي فيه ذكر أجر حجة وعمرة تامتين.
فقد روى مسلم (670) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا ).
ورواه الطبراني في "المعجم الصغير" (1189) ولفظه : ( كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (471).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (95782)، ورقم: (221531)، ورقم: (212679).
ثانيا:
ذهب كثير من أهل العلم إلى أن صلاة الإشراق، هي نفسها صلاة الضحى.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27 / 221 - 222):
" بتتبع ظاهر أقوال الفقهاء والمحدثين يتبين: أن صلاة الضحى وصلاة الإشراق: واحدة؛ إذ كلهم ذكروا وقتها من بعد الطلوع إلى الزوال، ولم يفصلوا بينهما.
وقيل: إن صلاة الإشراق غير صلاة الضحى، وعليه: فوقت صلاة الإشراق بعد طلوع الشمس، عند زوال وقت الكراهة " انتهى.
وصلاة الإشراق : هي من السنن والمستحبات، كما هو معلوم، وليست من الواجبات، كما يوهم كلام السائل.
وينظر جواب السؤال رقم: (129956).
ثالثا:
هل صلاة الإشراق تُصلى يوم العيد، فيصليها المسلم قبل أن يصلي العيد؟
ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يسن شيء من النوافل قبل صلاة العيد ؛ ومن أدلتهم حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، وَمَعَهُ بِلاَلٌ ) رواه البخاري (989) ومسلم (884).
وكحديث البَرَاءِ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ ) رواه البخاري (968)، ومسلم (1961).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" أورد المصنف حديث البراء: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي) وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها؛ فاقتضى ذلك التبكير إليها " انتهى من "فتح الباري" (2 / 457).
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وقالت طائفة: لا صلاة يوم العيد حتَّى تزول الشمس.
وصح عن ابن عمر، أنه كان يفعله.
وعن كعب بن عجرة، أنه أنكر على من صلى بعد العيد في المسجد، وذكر أنه خلاف السنة، وقال: هاتان الركعتان سُبْحة هذا اليوم، حتى تكون الصلاة تدعوك.
واختار هذا القول أبو بكر الآجري، وأنه تكره الصلاة يوم العيد حتى تزول الشمس " انتهى من "فتح الباري" (9 /94).
وذهب كثير من أهل العلم إلى أن السنة عدم التنفل قبل صلاة العيد في موضع صلاة العيد، وأما في غير ذلك فلا حرج.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
"التنفل في المصلى: لو كان مفعولا، لكان منقولا، وإنما رأى من رأى جواز الصلاة؛ لأنه وقت مطلق للصلاة، وإنما تركه من تركه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى" انتهى من "عارضة الأحوذي" (3 /8).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" فأما الإمام: فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً، قبلها وبعدها.
وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد.
فأما الصلاة في غير موضع صلاة العيد، كالصلاة في البيت، أو في المسجد إذا صُلِّيت العيد في المصلى، فقال أكثرهم: لا تكره الصلاة فيه قبلها وبعدها.
روي ذلك عن بريدة، ورافع بن خديج.
وذكره عباس بن سهل، عن أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنهم كانوا يفعلونه" انتهى من "فتح الباري" (9/93).
والذي يترجح، أنه لا بأس بصلاة الإشراق قبل الذهاب إلى صلاة العيد، إذا كان هذا لا يشغله عن الاستعداد لصلاة العيد، لأنه لا دليل على منع ذلك .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
"الصلاة مباحة في كل يوم، وفي كل وقت، إلا في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وهي وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، وقد كان تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامة الأوقات في بيته، ولم يزل الناس يتطوعون في مساجدهم، فالصلاة جائزة قبل صلاة العيد وبعده، ليس لأحد أن يحظر منه شيئا.
وليس في ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي قبلها وبعدها: دليل على كراهية الصلاة في ذلك الوقت؛ لأن ما هو مباح لا يجوز حظره إلا بنهي يأتي عنه، ولا نعلم خبرا يدل على النهي عن الصلاة قبل صلاة العيد وبعده.
وصلاة التطوع في يوم العيد، وفي سائر الأيام، في البيوت: أحب إلينا؛ للأخبار الدالة على ذلك " انتهى من "الأوسط" (4/270).
فعلى هذا القول : يظهر أن صلاة العيد لا تنوب عن صلاة الإشراق؛ لأن التداخل بين صلاتين لا يحصل إذا كانت كل واحدة منهما مقصودة لذاتها، أو كانت العبادتان مختلفتان في الصفة، كما هنا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" تداخل العبادات قسمان:
قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضا؛ لأن سنة الفجر مستقلة وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (51 / 15 ترقيم الشاملة).
وسُئلت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" هل صلاة العيدين أو الاستسقاء تنوب عن صلاة الضحى أم لا؟
الجواب: لا تنوب صلاة العيد أو الاستسقاء عن صلاة الضحى.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (7/256).
والله أعلم.