الحمد لله.
أولا:
الأصل في عقود الإجارة اللزوم، ومنها عقد الدراسة في مدارس التحفيظ بمقابل، فإن هذا عقد إجارة، وهو لازم، لا يفسخ إلا برضى الطرفين.
فإذا سجل الطالب في المدرسة، واتفق على الدراسة مدة معينة؛ كان ملزما بالأجرة، سواء حضر أم لم يحضر.
فإن رغب في الفسخ، لم تلزم المدرسة بقبول ذلك.
هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من أن الإجارة لا تنفسخ ولو وجد عذر.
وذهب بعض أهل العلم إلى انفساخ الإجارة بالأعذار الطارئة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/271): " فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية، كما سبق، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم)، ولا يبقى العقد لازما، ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.
وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها، أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظئر [أي : مرضع] - لأن لبن الحامل يضر الرضيع - أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع؛ حُقَّ للمستأجر الفسخ، أو البقاء على الإجارة.
وجمهور الفقهاء، على ما أشرنا: لا يرون فسخ الإجارة بالأعذار؛ لأن الإجارة أحد نوعي البيع، فيكون العقد لازما، إذ العقد انعقد باتفاقهما، فلا ينفسخ إلا باتفاقهما" انتهى.
وقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية انفساخ الإجارة بالأعذار الطارئة، كما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا تعذر استيفاء المنفعة بسبب ظاهر.
وينظر: "الشرح الممتع" (10/72).
وأخذت هيئة المعايير الشرعية بفسخ الإجارة للأعذار الطارئة.
جاء في معيار الإجارة: "يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين المخل بالانتفاع" انتهى من "المعايير الشرعية"، ص 141.
فعلى هذا؛ لو نقل ولي الطالب إلى مدينة أخرى مثلا، جاز فسخ العقد مع المدرسة، واسترد نقوده.
وأما إذا لم يكن عذر طارئ، فللمدرسة أن تأبى الفسخ، ولا ترد المال، ثم إن شاء الطالب حضر أو لم يحضر.
ثانيا:
إذا وافق ولي الطالب على شرط عدم استرداد النقود، كان هذا تأكيدا للزوم العقد، وعدم انفساخه، فلا وجه بعد ذلك للمطالبة بالمال، ولا شيء على والدتك فيما قامت به من تنفيذ هذا الشرط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ)، رواه أبو داود (3594)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى البيهقي (14826) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ " وصححه الألباني في " الإرواء" (6/303).
والله أعلم.