الحمد لله.
أولاً :
إذا كان الجهاد فرض عين في حالة من الحالات المعروفة ، فمن عليه دين يخرج للجهاد ولا يجب عليه أن يستأذن صاحب الدَّين .
وإذا كان الجهاد فرض كفاية كجهاد طلب الأعداء فإنه لا يجوز الخروج إلا بإذن صاحب الدَّين ، فإن أَذِن له خرج ، وإن لم يأذن لم يخرج ، إلا إن ترك وفاء لدينه أو وثّقة بِرَهْن أو أقام ضامناً فلا يلزم إذن المدين .
ولمعرفة حكم الجهاد ومتى يكون فرض عين ، ومتى يكون فرض كفاية يراجع السؤال رقم 20214 .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (13/28) : " وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ , لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ , إلا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً , أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلا , أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ . . .
ودليل ذلك أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا , تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , إلا الدَّيْنَ , فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ . رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
ولأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا .
وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ , فَلا إذْنَ لِغَرِيمِهِ ; لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ , فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ , كَسَائِرِ فُرُوضِ الأَعْيَانِ . . .
وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً , أَوْ أَقَامَ كَفِيلا , فَلَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَرَكَ وَفَاءً , لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ أَبَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ , وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ , فَاسْتُشْهِدَ , وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ , وَلَمْ يَذُمَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ , وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُ , بَلْ مَدَحَهُ , وَقَالَ : ( مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا , حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ) . وَقَالَ لابْنِهِ جَابِرٌ : أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاك , وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا !" انتهى . بتصرف واختصار
وجاء في الموسوعة الفقهية (16/135) :
" وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لا إذْنَ لِغَرِيمِهِ " انتهى .
ثانياً :
وأما إذا كان المدين معه من المال ما يفي بالدين ، فهل يقدم الخروج للجهاد ، أو وفاء الدين .
فجواب ذلك : إذا كان الجهاد فرض كفاية فإنه يقدم وفاء الدين .
وأما إذا كان الجهاد فرض عين فله حالان :
1- إذا تعيّن الجهاد لكونه حضر الصف ، أو حصر العدو بلده فإنه يقدم الجهاد .
2- إذا تعين الجهاد لكون الإمام طلب منه الخروج للجهاد فإنه يقدم وفاء الدين .
قال شيخ الإسلام في "الاختيارات" (ص 308) :
" سُئِلْت عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَا يُوفِيه وَقَدْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ ، فَقُلْت :
مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَا يُقَدَّمُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَنَفَقَةِ النَّفْسِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْفَقِيرِ ، وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَاتِ مِنْ الْحَجِّ وَالْكَفَّارَاتِ , وَمِنْهَا مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلا إذَا طُولِبَ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ , فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ اسْتِنْفَارٌ ( يعني طلب الخروج للجهاد من الإمام ) فَقَضَاءُ الدَّيْنِ أَوْلَى ، إذْ الإِمَامُ لا يَنْبَغِي لَهُ اسْتِنْفَارُ الْمَدِينِ مَعَ الاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ قُلْت : لَوْ ضَاقَ الْمَالُ عَنْ إطْعَامِ جِيَاعٍ وَالْجِهَادِ الَّذِي يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ قَدَّمْنَا الْجِهَادَ وَإِنْ مَاتَ الْجِيَاعُ ، .....
وَقُلْت أَيْضًا : إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ يُجَاهِدُونَ بِالْمَالِ الَّذِي يَسْتَوْفُونَهُ فَالْوَاجِبُ وَفَاؤُهُمْ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَتَيْنِ : الْوَفَاءِ وَالْجِهَادِ . وَنُصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ تُوَافِقُ مَا كَتَبْتُهُ " اهـ .