جنيت مبلغا من الإنترنت عن طريق وضع عروض من معلنين في موقعي ربحي، مثال: دخول في موقع معلن، وفتح حساب، أو تحميل تطبيق معلن، وتنفيذ مهمة مطلوبة من معلن، ومعلن يدفع لي لكل منفذ، وأنا أدفع لمستخدم، فأنا قمت باحتيال على معلنين أنفذ عروضهم بنفسي، وأكرر ذلك، فأخذت ذلك المبلغ واستثمرته، واتجرت به في حلال، وجنيت أرباحا معتبرة، والمشروع لازال قائما إلى الآن. سؤال : ما حكم المبلغ الذي جنيته في البداية؟ وما حكم الأرباح الناتجة عن التجارة التي قمت ولا زلت أعمل فيها، لعدم إيجادي لبديل أكسب به المال؟ وإذا وجب علي التخلص من نصف الأرباح، فهل المبلغ المتبقي حلال علي فأستثمره في نفس المشروع وآخذ أرباحا كاملة؟
الحمد لله.
أولا:
لا يجوز استعمال الحيل والخداع لكسب المال من المعلنين، والمال الناتج عن ذلك مال محرم؛ لأنه مأخوذ بغير حق. وقد قال صلى الله عليه وسلم: المكر والخديعة في النار رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6725)، ورواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ: الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ .
ثانيا:
يجب رد ما أخذ من المال بالخديعة إلى أصحابه، فإن لم يمكن الوصول إليهم، وجب التصدق بالمال عنهم.
قال ابن القيم : " فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَدْ أُخِذَ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ ، وَلَا اسْتَوْفَى عِوَضَهُ : رَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ : قَضَى بِهِ دَيْنًا يَعْلَمُهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ : رَدَّهُ إِلَى وَرَثَتِه ِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ: تَصَدَّقَ بِهِ عَنْهُ .
فَإِنِ اخْتَارَ صَاحِبُ الْحَقِّ ثَوَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : كَانَ لَهُ ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَسَنَاتِ الْقَابِضِ: اسْتَوْفَى مِنْهُ نَظِيرَ مَالِهِ ، وَكَانَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ" انتهى من "زاد المعاد "(5/690).
ثالثا:
إذا استثمرت المال المحرم وربحت منه، فإنه يلزمك مع التوبة أن تعطي لأصحاب المال ربح مضاربة المثل، إضافة إلى أصل مالهم.
فلو كان المال إذا أعطي لمن يعمل فيه مضاربة، يأخذ العامل 50% من الربح أو 40% من الربح ويأخذ صاحب المال 50% أو 60%، فيعطى أصحاب الأموال هنا كذلك 50% أو 60% بحسب العرف في المضاربة عندكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن اكتسب بهذه الأموال بتجارة ونحوها، فقيل: الربح لأرباب الأموال. وقيل: له إذا اشترى في ذمته. وقيل: بل يتصدقان به؛ لأنه ربح خبيث. وقيل: بل يقسم الربح بينه وبين أرباب الأموال كالمضاربة، كما فعل عمر بن الخطاب في المال الذي أقرضه أبو موسى الأشعري لابنيه دون العسكر، وهذا أعدل الأقوال" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/29).
وقال: "أما المال المغصوب إذا عمل فيه الغاصب حتى حصل منه نماء: ففيه أقوال للعلماء: هل النماء للمالك وحده؟ أو يتصدقان به؟ أو يكون بينهما كما يكون بينهما إذا عمل فيه بطريق المضاربة والمساقاة والمزارعة، وكما يدفع الحيوان إلى من يعمل عليه بجزء من دره ونسله، أو يكون للعامل أجرة مثله، إن كانت عادتهم جارية بمثل ذلك كما فعل عمر بن الخطاب ... وهو العدل؛ فإن النماء حصل بمال هذا وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح، ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء؛ فإن الحق لهما لا يعدوهما؛ بل يجعل الربح بينهما كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/322).
وعليه؛ فالواجب عليك أن تضمي هذه النسبة إلى أصل المال المحرم، وتردي ذلك كله إلى أصحابه، أو تتصدقي به عنهم عند تعذر الوصول إليهم، وبذلك يطيب لك بقية مالك وأرباحه.
والله أعلم.