ذكرتم في إجابة إحدى الأسئلة: " قال البعلي في"الاختيارات": " ويجوز للمستأجر إجارة العين المؤجرة لمن يقوم مقامه، بمثل الأجرة، وزيادة، وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي، فإن شرط المؤجر على المستأجر أن لا يستوفي المنفعة إلا بنفسه، أو أن لا يؤجرها إلا لعدل، أو لا يؤجرها من زيد؛ قال أبو العباس [ابن تيمية]: فقياس المذهب، فيما أراه : أنها شروط صحيحة" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/408). سؤالي: ما سبب اعتبار شرط المؤجر والالتزام به؟ أليس المستأجر قد ملك المنفعة، وله أن يتنازل عنها لمن شاء؟ فإحدى شركات الاتصال تكتب في العقد أن خدمات الخط المدفوع مقدما إنما هي لصاحب العقد خصوصا، وليس له التنازل عن هذا الخط لغيره، فما كنت أعلم بهذا الشرط إلا بعد توقيع أبي عليه، وشراؤه خطا لي لحاجتي إليه. فهل يلزمني وجوبا أن أغير ملكية الخط باسمي؟ أم يعتبر شرطهم ملغي؛ لأن أبي مالك المنفعة وهو تنازل لي؟
الحمد لله.
أولا:
ذهب جمهور الفقهاء إلى من استأجر شيئا فله أن ينتفع به بنفسه أو بمن يقوم مقامه؛ لأنه بالإجارة ملك المنفعة، وله أن يستوفيها بنفسه وبغيره، ولا يشترط إذن المؤجر في ذلك، بل نصوا على أن المؤجر لو شرط عليه أن يستوفي المنفعة بنفسه، فالشرط باطل؛ لمنافاته مقتضى العقد. وهل يصح العقد أو يفسد؟
في هذا خلاف بين العلماء:
فذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة العقد ، مع فساد الشرط.
وذهب الشافعية إلى فساد العقد.
قال في "كشاف القناع"(4/15): " (وللمستأجر استيفاءُ المنفعة بنفسه وبمثله، بإعارةٍ أو غيرها) لأنه ملك المنفعة بالعقد , فكان له التسلّط على استيفائها بنفسه ونائبه.
(ولو شُرط عليه)، أي المستأجر، (استيفاؤها)، أي المنفعة ، (بنفسه: فسد الشرط، ولم يلزم الوفاء به)؛ لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، إذ مقتضاه الملك، ومن ملك شيئا استوفاه بنفسه وبنائبه" انتهى.
وقال في "مغني المحتاج" (3/474): " (وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره)، كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره، لكن يشترط أمانة من سلمها إليه.
فلو شرط استيفاءها عليه بنفسه: لم يصح، كما لو باعه عينا وشرط أن لا يبيعها، ولابن الرفعة في ذلك نظر" انتهى.
وينظر: "تبيين الحقائق" (5/121)، "بدائع الصنائع" (4/206)، "المدونة" (3/521)، "الموسوعة الفقهية" (1/267).
وذهب بعض أهل العلم إلى تصحيح اشتراط المالك على المستأجر أن يستوفي النفع بنفسه، قال البعلي في "الاختيارات" : " ويجوز للمستأجر إجارة العين المؤجرة لمن يقوم مقامه بمثل الأجرة وزيادة , وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي .
فإن شرط المؤجر على المستأجر أن لا يستوفي المنفعة إلا بنفسه أو أن لا يؤجرها إلا لعدل أو لا يؤجرها من زيد . قال أبو العباس [ابن تيمية] : فقياس المذهب فيما أراه أنها شروط صحيحة. لكن لو تعذر على المستأجر الاستيفاء بنفسه، لمرض أو تلف مال أو إرادة سفر ونحو ذلك , فينبغي أن يثبت له الفسخ، كما لو تعذر تسليم المنفعة" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/408).
والحاصل:
أن جمهور الفقهاء على بطلان هذا الشرط؛ لأنه ينافي مقتضى العقد.
وأما من صحح الشرط كشيخ الإسلام؛ فلأنه يعتمد أن الأصل في الشروط الصحة ولو خالفت مقتضى العقد ما لم تخالف مقتضى الشرع، وهو قول وجيه له ما يعضده من الأدلة وآثار السلف، والمؤجر قد يكون له مصلحة في هذا التقييد، وقد قبل المستأجر الشرط طائعا، فما الذي يسوغ له نقض الشرط؟
وفي شركات الاتصال يتعلق الأمر بالأمن؛ لئلا يستعمل الخط إنسان فيجني جناية فتلصق بمن كان الخط على اسمه.
والذي يظهر أنه يغتفر هذا فيما بين الأب وأولاده أو زوجته، لا سيما أنه شرط إذعاني لا يملك المستأجر رفضه، فلا يلزمك أن تغيري الخط باسمك .
والله أعلم.