الحمد لله.
أولًا :
وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله ، قال تعالى : يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) [النازعات: 42 - 46] .
ثانيًا :
قال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15].
ورد عن ابن عباس، قوله: أكاد أخفيها [طه: 15] يقول: "لا أظهر عليها أحدًا غيري" انتهى ، " تفسير الطبري " (16/ 34).
وورد عن مجاهد، إن الساعة آتية أكاد أخفيها قال: "من نفسي" .
وعن قتادة، قوله: أكاد أخفيها [طه: 15] ، وهي في بعض القراءة: أخفيها من نفسي؛ ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين، ومن الأنبياء المرسلين" انتهى .
"تفسير الطبري" (16/ 34 - 35).
وهذا هو الصحيح في تفسير الآية ، أن "أُخفيها" هنا على بابها، من خفاء الأمر؛ يعني: عدم الظهور.
وقال آخرون: "إنما هو: أكاد أَخفيها بفتح الألف من أخفيها بمعنى: أظهرها".
وأما معنى قولهم : (أكاد أخفيها؛ من نفسي) فهو : "أن الله تعالى ذكره خاطب بالقرآن العرب على ما يعرفونه من كلامهم ، وجرى به خطابهم بينهم، فلما كان معروفًا في كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد المبالغة في الخبر عن إخفائه شيئا هو له مُسِرٌّ: قد كدت أن أخفي هذا الأمر عن نفسي؛ من شدة استسراري به، ولو قدرت أخفيه عن نفسي أخفيته= خاطبهم على حسب ما قد جرى به استعمالهم في ذلك، من الكلام بينهم، وما قد عرفوه في منطقهم"، انتهى "تفسير الطبري" (16/ 38).
وقد قال الإمام الطبري، بعد الكلام السابق : "وقد قيل في ذلك أقوال غيرُ ما قلنا.
وإنما اخترنا هذا القول على غيره من الأقوال، لموافقة أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين، إذ كنا لا نستجيز الخلاف عليهم، فيما استفاض القولُ به منهم، وجاء عنهم مجيئا يقطع العذر"انتهى .
وقال "البغوي" : " وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء، يقولون: كتمت سرك من نفسي، أي: أخفيته غاية الإخفاء، والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء" انتهى ، "تفسير البغوي" (5/ 267).
وقال "ابن الجوزي" : "فإن قيل: فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد؟
فالجواب: أنه للتحذير والتخويف؛ ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه، كان أشد حذرًا". انظر: "زاد المسير في علم التفسير" (3/ 154).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم وقت الساعة؟
فأجاب:
"أما الحديث المسئول عنه كونه صلى الله عليه وسلم ( يعلم وقت الساعة ) : فلا أصل له ؛ ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد وقت الساعة نص أصلا .
بل قد قال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض أي : خفي على أهل السموات والأرض .
وقال تعالى لموسى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها ، قال ابن عباس وغيره: أكاد أخفيها من نفسي فكيف أطلع عليها؟
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وهو في مسلم من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: متى الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ؛ فأخبر أنه ليس بأعلم بها من السائل ، وكان السائل في صورة أعرابي ، ولم يعلم أنه جبريل إلا بعد أن ذهب ، وحين أجابه لم يكن يظنه إلا أعرابيا ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن نفسه: إنه ليس بأعلم بالساعة من أعرابي ، فكيف يجوز لغيره أن يدعي علم ميقاتها !
وإنما أخبر الكتاب والسنة بأشراطها، وهي علاماتها ، وهي كثيرة تقدم بعضها ، وبعضها لم يأت بعد.
ومن تكلم في وقتها المعين مثل الذي صنف كتابا سماه " الدر المنظم في معرفة الأعظم "، وذكر فيه عشر دلالات بين فيها وقتها ، والذين تكلموا على ذلك من " حروف المعجم " ، والذي تكلم في " عنقاء مغرب " ، وأمثال هؤلاء = فإنهم ، وإن كان لهم صورة عظيمة عند أتباعهم؛ فغالبهم كاذبون مفترون ، وقد تبين لديهم من وجوه كثيرة أنهم يتكلمون بغير علم؛ وإن ادعوا في ذلك الكشف ومعرفة الأسرار.
وقد قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/341-342) .
والله أعلم.