لقد علمت بأن الدعاء بالاسم المفرد مثل يارب فقط لا يجوز، لكن بعض الصوفية استدلو بحديث المسافر (.... أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب، ومطعمه حرام ) الحديث، يقول أين جواب النداء في هذا الحديث، فبماذا أجيبهم؟
الحمد لله.
أولا:
ذكر الله بالاسم المفرد كقولهم: الله الله، حي حي، لا أصل له في الكتاب وفي السنة ولا في أقوال الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من أهل القرون المفضَّلة، كما سبق بيان في جواب السؤال رقم:(126336)، وكذلك قولهم: يا لطيف يا لطيف، أو يا الله يا الله.
والمشروع هو ذكر الله بالجمل، كسبحان الله، والحمد لله، ودعاؤه وسؤاله جلب النفع أو دفع الضر، كعامة أدعية القرآن والسنة، فليس فيها يا الله، أو يا لطيف، ثم يسكت.
ثانيا:
وأما ما رواه مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون: 51] وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟
فهذا حكاية لحال هذا الداعي، وإلحاحه في الدعاء وعدم الاستجابة له، رغم إتيانه بأسباب الاستجابة، والاختصار فيه ظاهر، فالمراد أنه يدعو بأدعية كثيرة ويلح فيها، يقول: رب اغفر لي، رب ارحمني، رب افعل بي كذا وكذا، فهذا الاختصار يدخل تحته ما شاء الله من الأدعية.
قال المظهري، رحمه الله: "قوله: (يا رب! يا رب!)؛ يعني: يقول ذاك الرجلُ عند الدعاء: يا ربِّ!" انتهى من "المفاتيح شرح المصابيح"(3/385).
وقال ابن حجر الهيتمي، رحمه الله: " (يمد) صفة رابعة بالاعتبار السابق (يديه) عند الدعاء (إلى السماء) قائلًا: (يا رب) أعطني كذا (يا رب) جنبني كذا" انتهى، من "الفتح المبين بشرح الأربعين" له (288).
وينظر: "الفتوحات الربانية" لابن علان(7/326).
وقد استفيد من هذا الحديث أن الدعاء باسم (الرب) له شأن عظيم حتى قيل إنه الاسم الأعظم، فلو كان المراد أنه لا يزاد على قوله: يا رب، لرأينا هذا في أدعيته صلى الله عليه وسلم وأدعية أصحابه وأدعية الأنبياء قبله؛ إذ كيف يفوتهم الإتيان بهذا الدعاء الذي هو مظنة الإجابة.
فليس الأمر على ما توهمت، وانظر أدعية الأنبياء في القرآن وأدعية الني صلى الله عليه وسلم التي كان السؤال فيها باسم الرب، فلن تجد فيها حرفا من هذا الدعاء المفرد المخترع، بل كلها أدعية بالجمل، لجلب منفعة أو دفع مضرة.
قال ابن رجب رحمه الله:" ومن تأمل الأدعية المذكورة في القرآن وجدها غالبا تفتتح باسم الرب، كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة: 286]، وقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران: 8]. ومثل هذا في القرآن كثير.
وسئل مالك وسفيان عمن يقول في الدعاء: يا سيدي، فقالا: يقول: يا رب. زاد مالك: كما قالت الأنبياء في دعائهم" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/274).
وقول سفيان ومالك هو من نفس الباب؛ فليس مرادهما أن يقول الداعي: يا رب، ويسكت، بدليل قول مالك: كما قالت الأنبياء في دعائهم، والأنبياء إنما دعوا بالجمل.
والله أعلم.