الحمد لله.
الاستحالة: هي " تغير العين وانقلاب حقيقتها إلى حقيقة أخرى، كانقلاب السرجين رمادا، وانقلاب الخمر خلا، والخنزير ملحا" انتهى من "المستخلص من النجس وحكمه في الفقه الإسلامي" رسالة ماجستير للباحث نصري راشد سبعنّة، ص 84.
ويدخل في الاستحالة: "كل تفاعل كيميائي يُحوِّل المادة إلى مركب آخر، كتحول الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون، وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة، كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة و" غليسرين " انتهى نقلا عن: " توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض المشاكل الطبية "
والاستحالة مطهرة للعين، مبيحة للانتفاع بها، عند جمهور الحنفية، والمالكية، وجماعة من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (10/278): " من معاني الاستحالة لغة: تغير الشيء عن طبعه ووصفه، أو عدم الإمكان.
فالاستحالة قد تكون بمعنى التحول، كاستحالة الأعيان النجسة، من العذرة والخمر والخنزير، وتحولها عن أعيانها، وتغير أوصافها، وذلك بالاحتراق، أو بالتخليل، أو بالوقوع في شيء، كما سيأتي تفصيله ...
أ - تحول العين وأثره في الطهارة والحل:
ذهب الحنفية والمالكية، وهو رواية عن أحمد إلى: أن نجس العين يطهر بالاستحالة، فرماد النجس لا يكون نجسا، ولا يعتبر نجسا: ملحٌ كان حمارا أو خنزيرا أو غيرهما، ولا نجسٌ وقع في بئر فصار طينا، وكذلك الخمر إذا صارت خلا، سواء بنفسها أو بفعل إنسان أو غيره، لانقلاب العين، ولأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، فينتفي بانتفائها.
فإذا صار العظم واللحم ملحا: أخذا حكم الملح؛ لأن الملح غير العظم واللحم.
ونظائر ذلك في الشرع كثيرة منها: العلقة؛ فإنها نجسة، فإذا تحولت إلى المضغة: تطهر، والعصير طاهر؛ فإذا تحول خمرا ينجس.
فيتبين من هذا: أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها.
والأصل عند الشافعية، والحنابلة في ظاهر المذهب: أن نجس العين لا يطهر بالاستحالة، فالكلب أو غيره يلقى في الملاحة فيصير ملحا، والدخان المتصاعد من وقود النجاسة، وكذلك البخار المتصاعد منها، إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل، ثم قطر: نجس.
ثم استثنوا من ذلك الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا، فتطهر بالتخلل؛ لأن علة النجاسة الإسكار وقد زالت، ولأن العصير لا يتخلل إلا بعد التخمر غالبا، فلو لم يحكم بالطهارة، تعذر الحصول على الخل، وهو حلال بالإجماع" انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: " وعلى هذا الأصل: فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس؛ فإنها نجسة؛ لوصف الخبث، فإذا زال الموجِب: زال الموجَب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها، ومواردها، بل وأصل الثواب، والعقاب.
وعلى هذا: فالقياس الصحيح: تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت.
وقد " نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبورَ المشركين من موضع مسجده " ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللَّبَن أنه (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ)، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة، ثم حبست، وعلفت بالطاهرات: حلَّ لبنُها، ولحمها، وكذلك الزرع والثمار إذا سُقيَت بالماء النجس، ثم سقيت بالطاهر: حلَّت؛ لاستحالة وصف الخبث، وتبدله بالطيب، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثاً: صار نجساً، كالماء، والطعام إذا استحال بوْلاً، وعذرة، فكيف أثَّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثاً، ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟! والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب." انتهى من "إعلام الموقعين" (2/14).
فعلى مذهب الحنفية والمالكية: إذا استحالت الدهون النجسة، فقد طهرت وجاز تناولها.
وتقدم في " توصيات ندوة الرؤية الإسلامية لبعض المشاكل الطبية : أن من الاستحالة : تفككَ الدهون وتحللها إلى مكوناتها؛ أحماض دهنية، وجليسرين، وهما يختلفان في الصفات عن المركب الأصلي وهو الدهون، وبهذه الاستحالة تطهر الأحماض، والجلسرين.
والله أعلم.