ما حكم سجود السهو عند الخطأ في آية من الفاتحة وإعادة الآية، وعند الخطأ في الفاتحة ثم إعادة الفاتحة كاملة، لم تكمل الفاتحة أول مرة، بل توقف عند الخطأ؟ وأين محل السجود قبلي أو بعدي؟
الحمد لله.
أولا:
من أخطأ في الفاتحة وجب عليه تصحيح الخطأ لأنها ركن.
ومن كرر الفاتحة لغير عذر، كتوهم خلل في الأولى، فتكراره لها مكروه
قال في "شرح منتهى الإرادات" (1/209) : "(و) يكره له (تكرار الفاتحة) لأنه لم ينقل، وخروجا من خلاف من أبطلها به" انتهى.
وقال عثمان في "حاشيته على المنتهى" (1/226): "قوله: (وتكرار الفاتحة)؛ ما لم يكن لتوهم خلل في المرة الأولى" انتهى.
ثانيا:
من كرر الفاتحة، أو شيئا منها: فإن كان وقع في لحن يحيل المعنى، كما لو ضم تاء (أنعمتَ)، وجب عليه سجود السهو؛ لأن السجود يجب لكل ما يبطل عمده الصلاة.
قال في "شرح المنتهى" (1/233): "(و) سجود السهو (للحن يحيل المعنى،) في الصورة (سهوا، أو جهلا: واجب) لأن عمده يبطل الصلاة فوجب السجود لسهوه، وفي معناه: سبق لسانه بتغيير نظم القرآن، بما هو منه، على وجه يحيل معناه، نحو : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات [البقرة: 277] ، ثم : أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة: 39] " انتهى.
فإن لم يحل المعنى: فلا سجود عليه بتكرار الفاتحة أو شيء منها.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:
" ما حكم من كان إمامًا بالناس فأخطأ في القراءة فلم يرد عليه أحد المأمومين حتى انتهى، ثم ذكر وهو في التشهد الأخير أنه أخطأ في القراءة، فهل يسجد للسهو لغلطه في القراءة؟" .
فأجاب:
" ليس عليه سجود سهو إذا غلط في القراءة، إذا كان ذلك في غير الفاتحة.
أما غلطه في الفاتحة: ففيه تفصيل" .
وسئل الشيخ ابن باز أيضا:
" إذا أخطأ الإنسان في قراءة القرآن أثناء الصلاة، فهل عليه سجود السهو؟
فأجاب:
" الخطأ يختلف ويتنوع؛ فإن كان الخطأ مما يبطل عمدُه الصلاة، ولكن فعله ساهيًا: فهذا يسجد للسهو. أما إذا كان لا يبطل عمدُه الصلاة، كاللحن الذي يُعفى عنه: فهذا لا يجب فيه سجود السهو.
فلو قال: (الحمدَ لله رب العالمين)، أو قال: (الحمد لله رب العالمين الرحمنَ الرحيم)، أو (الرحمنُ الرحيم) : هذا لا يبطل عمدُه الصلاة؛ لأن له وجهًا من الإعراب، وهكذا لو قال: (مالكُ يوم الدين) أو (مالكَ يوم الدين) ، هذا اللحن بالنصب أو الرفع لا يخل بالمعنى.
أما إذا سها فقرأ شيئًا يبطل عمدُه الصلاة ، سهوًا منه : فإنه يسجد للسهو، كأن يقرأ: (صراط الذين أنعمتُ عليهم)، هذا ينسب النعمة إليه، هذا لحن عظيم يخل بالمعنى، فالمنعم هو الله وحده، صراطَ الذين أنعمتَ عليهم يعني: الرب عز وجل، هذا لحن شنيع إذا تعمده أبطل الصلاة.
وإذا كان سهوًا يسجد للسهو، يعيد القراءة صراط الذين أنعمت عليهم، ويسجد للسهو.
وهكذا لو قال: (إياكِ نعبد وإياكِ نستعين): هذا لحن يحيل المعنى؛ لأنه خطاب للأنثى، والخطاب مع الله إياكَ نعبد، عز وجل؛ فإذا تعمد هذا: بطلت صلاته، وقد يكون بهذا مرتدًّا إذا عرف أنه يخاطب أنثى، أنه يتعمد يخاطب ربه خطاب الأنثى، فإنه يعتبر مستهزئًا كافرًا محتقراً لربه عز وجل. أما إذا سبق على لسانه سهوًا فإنه يسجد للسهو. نسأل الله السلامة." انتهى.
وذهب المالكية إلى أنه يسجد إذا كررها سهوا، أو كررها لتحصيل سنة الجهر أو الإسرار.
قال العدوي في حاشيته على "كفاية الطالب الرباني" (1/314): " فإن كانت من أقوال الصلاة: فلا سجود في سهوها، كما لا يبطل تعمدها، كما لو كرر السورة، والتكبير، أو زاد سورة في أخرييه.
إلا أن يكون القول فرضا، فإنه يسجد لسهوه ، كما لو كرر الفاتحة سهوا، ولو في ركعة، وجرى خلاف في بطلان الصلاة بتعمد تكرارها ، والمعتمد عدم البطلان" انتهى.
وقال الدسوقي في حاشيته (1/275): "وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَقْوَالُ فَرَائِضَ، كَالْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِتَكْرَارِهَا، إنْ كَانَ التَّكْرَارُ تَحْقِيقًا، أَوْ شَكًّا عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَكَانَ سَهْوًا ، وَأَمَّا لَوْ كَرَّرَهَا عَمْدًا: فَلَا سُجُودَ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مَعَ الْإِثْمِ .
وَمِنْ تَكْرَارِهَا الَّذِي جَرَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إعَادَتُهَا لِأَجْلِ سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ".
وذكر قبلها أن من ترك السر في الفاتحة، وأبدله بالجهر: يَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، بخلاف من جهر، ثم أبدله بالسر فإنه يسجد قبل السلام.
والله أعلم.