أنا متزوج ولدي ستّة أطفال وأعيش في أستراليا. كان أطفالي يصلون خمس مرات في اليوم ، لكن ابني الأكبر ترك الإسلام مؤخرًا وأخذ البقية يصلّون 2-3 مرات في اليوم. كنت أخبر زوجتي عن الهجرة لكنها ترفض خوفا على المال والصحة. لقد أصبحت ضعيفًا في إيماني لأنّ محيطي كافر بالكامل مع عدم وجود أصدقاء مسلمين أو أسرة للتواصل معهم. زوجتي لن تنتقل حتى إلى مدينة بها عدد أكبر من المسلمين بسبب تعليم الأطفال. ترفض التوصّل إلى اتفاق. الخيار الوحيد الذي أتيح لي هو أن آخذ جميع الأطفال ، لكن الأطفال لا يريدون فعل أيّ شيء بدون والدتهم. أخبرتني أنّ الأوان قد فات على الهجرة. بالنظر إلى ظروفي ، هل يمكنني الهجرة بدون أسرتي لأنني لا أرى أيّ أمل في البقاء هنا بعد الآن؟ هل سأكون مسؤولاً عن الهجرة بدون عائلتي؟ زوجتي لا ترغب في البقاء معي
الحمد لله.
أولا:
لا شك أن ما آل إليه حال أولادك، هو الضريبة الباهظة القاسية التي تدفعها الأسر جراء إقامتها في بلاد الكفر، من الغرب أو الشرق، والتي مآلها: أن يشرق الأبناء أو يغربوا، أو يوجهوا ما شاء لهم هواهم، في وجهة بعيدة عن دين الله ورضوانه؛ إلا ما رحم ربي؛ وقليل ما هم.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (52893)
ثانيا:
ما تفكر فيه من الهجرة إلى بلاد المسلمين مفارقا لأهلك وأولادك؛ ليس بالحل الأمثل؛ لأن فيه تضييعا لأمانة ومسؤولية تربية الأولاد، وهذا أمر عظيم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فهو رَاعٍ عليهم وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (2554) ومسلم (1829).
وعَنِ مَعْقِل بْن يَسَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ ) رواه البخاري (7150) ومسلم (142).
فبقاؤك بين أهلك ناصحا لهم ومجتهدا في تربيتهم وإرشادهم يدخل في الإصلاح الذي في قوله تعالى:
( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود (88).
والمسلم تنتابه في حياته - أحيانا - حالات يكون فيها بين خيرين فيختار أفضلهما، أو بين شرين فيختار أهونهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وتمام " الورع " أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين ، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ، ويفعل محرمات " انتهى . " مجموع الفتاوى " (10 / 512).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" وليعلم العاقل أنّ العقل والشرع يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها. فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصلحةً ومفسدة وجب عليه أمران: أمر علمى، وأمر عملي. فالعلميّ طلبُ معرفة الراجح من طرفَي المصلحة والمفسدة، فإذا تبيّن له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له " انتهى. "الداء والدواء" (ص 491).
فالحاصل:
فالحاصل:
أن أول ما ينبغي عليك، إذا عجزت عن استصلاحهم في مكانك، أن تنتقل بصغارهم إلى بلد آخر تستطيع فيه رعايتهم، واستصلاحهم، وردهم إلى طريق دينهم، قدر الإمكان والطاقة.
فإن لم تستطع، فانتقل بهم إلى منطقة أخرى، في وسط جالية مسلمة، يمكنك أن تكون أقوى على إقامة دينك في خاصة نفسك، واستصلاح أولادك، قدر الطاقة.
لكننا، وبكل حال؛ نرى أن مفارقتك لأولادك – إذا عجزت عن الانتقال بهم - تاركا لهم بين أيدي زوجتك التي ذكرت حالها، هو نوع من تضييع الأمانة؛ وأن الأصلح، إن عجزت عن الانتقال بهم: أن تقيم معهم مرشدا ومؤدبا وناصحا، مجتهدا في إصلاحهم وإصلاح نفسك ، وزوجتك قدر طاقتك؛ إلى أن يجعل الله لك ولهم فرجا ومخرجا، ويمكن عليك بصلاحهم، وهدايتهم، أو يكبروا، ويزول سلطانك من عليهم، وتعجز عن ردهم، واستصلاح شيء منهم؛ فساعتها أنت وشأنك؛ وكل نفس بما كسبت رهينة.
وراجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (177195).
والله أعلم.