الحمد لله.
أولا:
اختلف الفقهاء في الشروط التي تكون في النكاح، ومنع الجمهور أكثرها، وأجاز الحنابلة بعضها، كاشتراط ألا يتزوج عليها، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، فإذا لم يف الزوج بالشرط، كان لها الفسخ، وليس الطلاق.
قال ابن قدامة رحمه الله: " إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها: فهذا يلزمه الوفاء به، فإن لم يفعل، فلها فسخ النكاح، روي هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم " انتهى باختصار من "المغني"(9/ 483).
ثانيا:
وأما عن خصوص ما ذكر من الشروط في السؤال، فيقال:
ذكر المالكية تفاصيل حسنة في الشروط المتعلقة بعقد النكاح.
قال أبو الحسن اللخمي: " الشروط في النكاح على أربعة أوجه:
جائز، ومكروه، وفاسد، ومختلف فيه.
فالأول: أن تشترط ألا يُضِرَّ بها في نفسها، ولا في نفقة، ولا كسوة، ولا عشرة، فكل ذلك جائز وداخل في قوله عز وجل: وعاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ، وقوله: فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ..." انتهى من "التبصرة" لأبي الحسن اللخمي (4/1868.
وقال أبو عبد الله المواق: " الشُّرُوطُ: مِنها ما يَقْتَضِيهِ عَقْدُ النِّكاحِ مِنهما، وما لا يَقْتَضِيهِ ولا يَنْفِيهِ:
(وجازَ بِشَرْطِ أنْ لا يَضُرَّ بِها فِي عِشْرَةٍ وكِسْوَةٍ ونَحْوِهِما). عَبَّرَ ابْنُ شاسٍ عَنْ هَذا بِقَوْلِهِ: لا يُكْرَهُ شَرْطٌ مِثْلَ هَذا، ويَحْكُمُ بِهِ" انتهى من "التاج والإكليل.(3/518)"
وعلى ذلك يقال:
للمرأة أن تشترط على زوجها ألا يضْرِبَها؛ والضرب لا يخفى ما فيه من الإضرار بالمرأة، والإذاية لها، لا سيما إذا كان ضربا مبرِّحا، خارجا عما أذن له فيه.
وفي "البيان والتحصيل" (5/72):" وسمعت أصبغ يُسأل عن الرجل تشترط عليه امرأته في كتاب صداقها ألا يسيء إليها، فإن فعل فأمرها بيدها، فإن تزوج عليها أو تسرر عليها، هل ترى هذا من الإساءة؟
فقال أصبغ: لا أراه من الإساءة، إلا أن يكون ذلك وجه ما يشترطون، ويأخذون عندهم بظاهرٍ معروف عندهم أن الإساءة في هذا الشرط: النكاح وشبهه، وإلا فلا.
قيل له: فإن ضربها ضربا مبرحا أو غير مبرح، أتراه من الإساءة؟
فقال: إن ضربها في أمر تستأهله على وجه الأدب بالأمر الخفيف، فلا أراه من الإساءة.
ولو كان على غير ذلك ضربها مرارا، رأيتها إساءة، أو جاء من ذلك أمرٌ مفرط، وإن كان غير مرار" انتهى.
فإذا كان الضرب المبرح داخلا في حد الإساءة بعمومه، فإنها إذا اشترطت عليه ألا يضربها كان أظهر في المنع، واستحقاقها ذلك.
ثالثا:
وأما الزنا، فلا يخفى ما فيه من الإساءة البالغة للمرأة، وتلويث فراشها، مع ما فيه من فسق الزوج، وقلة ائتمانه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والمرأة إذا كان زوجها يزني بغيرها لا يميز بين الحلال والحرام كان وطؤه لها من جنس وطء الزاني للمرأة التي يزني بها وإن لم يطأها غيره" انتهى، من "الفتاوى"" (32/145)
وعلى ذلك؛ فإذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يزني؛ فليس هذا الشرط منافيا لمقصود النكاح، ولا مقتضى عقده، بل هو مؤكده لمقصود الشرع وشرطه على الزوجين جميعا؛ فصح لها اشتراطه، وجاز لها طلب الفسخ منه إذا لم يف لها بذلك.
رابعا:
الإنجاب حق مشترك للزوجين، فإذا كنت لا تريدين الحمل قبل أداء الحج، فليكن ذلك بالتراضي بينكما، فإذا شرطت ذلك في العقد، فالذي يظهر أنه شرط صحيح، ويلزم الزوج الوفاء به، كما ذكر الفقهاء: أنه يصح اشتراط تأخير البناء، للمصلحة.
وينظر: "المعيار المعرب" للونشريسي (3/2) وما بعدها .
لكن ينبغي أن يقيد جواز هذا الشرط: بما إذا كانت المرأة تملك المال الذي يكفيها لأن تحج، ويحج معها محرمها، أو تبرع لها بعض محارمها بذلك؛ لأن الزوج لا يلزمه تحجيج امرأته، ولا يجوز تعليق حقه في الإنجاب على يسارها؛ للجهالة العظيمة في ذلك، وتفويت حقه.
خامسًا:
إذا حصل طلاق، فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر، وإن كان بعد الدخول فلها المهر كاملا، ولا تدفع المرأة نقودا إلا في حال الخلع، إذا كرهت زوجها ولم يكن منه ضرر، فإن أحبت فراقه، فله أن يخالعها، فتتنازل عن مهرها، أو بعضه، أو أكثر منه.
وعليه؛ فلو كان الشرط: ألا تدفعي نقودا في حال الطلاق، فهو شرط صحيح مؤكد لما هو مقرر شرعا.
سادسا:
إذا حصل طلاق رجعي فعلى الزوج النفقة على مطلقته أثناء العدة.
فإن كان الطلاق بائنا، فلا نفقة عليه، إلا أن تكون حاملا فينفق عليها لأجل الحمل.
وأما الأولاد فنفقتهم على أبيهم، فإن كانوا بعد الطلاق في حضانة أمهم، فلها أن تطلب أجرة الحضانة.
سادسا:
للمرأة أن تشترط العمل بعد الزواج، فلا يحق للزوج منعها منه بعد ذلك، إلا أن يكون العمل محرما، أو يؤدي إلى محرم، كالعمل المختلط؛ فله أن يمنعها منه ولو كانت شرطت العمل.
وسبق أن لها أن تشترط ألا يسافر بها أو لا يخرجها من بلدها.
لكن اشتراط ألا يمنعها من الخروج أو التجول كما تريد، لا يصح؛ فهذا مناف لقوامته ومسئوليته، ولا يحل للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، وله أن يمنعها من التجول أو الذهاب إلى أماكن معينة، فهو صاحب القرار؛ لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34، 35.
وجاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتأذن لي أن آتي أبوي) رواه البخاري (4141)، ومسلم(2770)
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58): " وقولها: أتأذن لي أن آتي أبوي: فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها" انتهى.
والنصيحة لك أن تبحثي عن صاحب الدين والخلق، وأن تدعي هذه الاشتراطات التي قد تنفّر منك الخطّاب، أو يكون لها الأثر السيء على زواجك فيما بعد .
واعلمي أنه قد تعنتت كثير من الفتيات في الشروط التي يشترطنها في النكاح ، وفي الزوج المتقدم لهن، حتى فاتهن الزواج، ورضين في نهاية أمرهن بمن هو أقل بكثير ممن رفضنه من قبل!!
فليكن لك فيهن عبرة، فالمقصود هو الدين والخلق، وبهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ) قالها ثَلاثَ مَرَّاتٍ" رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي .(866)"
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك .
والله أعلم.