الحمد لله.
قول القائل مخاطبا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إني إليك بأبناء لك انتسبوا مستشفع فلعلي منك أقترب
هو من دعاء غير الله تعالى، ومعناه أنه يستشفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنتسبين إلى آل البيت.
فلو كان هذا الدعاء موجها إلى الله تعالى، لكان دعاء مبتدعا؛ لما فيه من التوسل بالذوات، أو بجاههم، وكلاهما توسل بدعي.
أما توجيهه للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من الشرك في الألوهية والعبودية؛ إذ الدعاء عبادة، وصرفه لغير الله شرك.
قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) الأعراف/37
وقال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس/106.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (15/219): " (فإنك إذًا من الظالمين)، يقول: من المشركين بالله، الظالمي أنفُسِهم" انتهى.
وقال سبحانه: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) العنكبوت/65. ويشركون هنا: أي يدعون غيره.
وقال: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) المؤمنون/117.
وهذا حكم عام فيمن دعا غير الله، ولا فرق في ذلك بين أن يسميه إلها أو سيدا أو وليا أو قطبا، فإن الإله في اللغة هو المعبود، فمن عبد غير الله فقد اتخذه إلها وإن أنكر ذلك بلسانه.
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الواضحة البينة.
وفي صحيح البخاري (4497) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ).
وقد حكى العلماء الإجماع على كفر من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم، ولم يستثنوا من ذلك دعاء النبي صلى الله عليه ولا غيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار؛ مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/124).
وهذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم مقرين له.
قال الشيخ منصور البهوتي، رحمه الله، بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد من "الكشاف": "لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)" انتهى من "كشاف القناع" (6/169).
وانظر في ذلك: "الفروع" لابن مفلح (6/ 165)، "الإنصاف" (10/ 327)، "مطالب أولي النهى" (6/279).
والله أعلم.