ذهبت مع أهلي لشراء ذهب، فاشترينا ذهباً عياره ١٨ في وقت العصر، ثم ذهبت امرأتي إلى أمها لتريها الذهب، فلم ترتض أمها الذهب لأجل عياره، وطلبت إرجاعه، وأخذ ذهب بعيار ٢١، فرجعنا إلى المحل بعد العشاء لإرجاعه واسترداد النقود، وشراء ذهب آخر، فرفض البائع بحجة أن البيع تم بواسطة الشبكة، وفيها يتم خصم الضريبة مباشرة فإذا أرجع المال سيرجعه ناقصاً، هكذا قال، فطلبنا ذهباً بنفس الوزن فرفض أيضا، إلا إذا اشترينا معه شيئا زائداً، فلم نجد بداً من شراء ذهب أكثر، وخرجنا، ثم رجعنا إلى المحل بعد يومين، واسترجعنا نقودنا كاملة، ورددنا الذهب لهم، فلما استلمنا النقود اشترينا به ذلك الذهب مرة أخرى. فما الحكم؟
الحمد لله.
أولا:
يشترط لشراء الذهب بالذهب شرطان: التساوي في الوزن، والتقابض في المجلس؛ لما روى مسلم (1587) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ .
ولا يلزم البائع إقالتك، ما دامت السلعة لا عيب فيها، ولا غبن حصل لك.
والذي تم هو بيعك الذهب الذي معك، بذهب آخر أكثر منه، مع نقود منك. فهو بيع ذهب ونقود بذهب. وهذا محرم عن جمهور الفقهاء.
قال في "زاد المستقنع" ص108: "ولا يباع ربوي بجنسه، ومعه أو معهما، من غير جنسهما" انتهى.
فالذهب من الأصناف الربوية ، فلا يباع بذهب، ومع أحدهما، أو معهما نقود، كخمسين جراما وعشرة آلاف ريال ب ستين جراما.
وذهب الحنفية وحماد بن أبي سليمان والشعبي والنخعي وشيخ الإسلام ابن تيمية إلى جواز ذلك، إذا كان الربوي المفرد أكثر من الذي معه غيره، أو كان مع كل واحد منهما من غير جنسه؛ لأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة، لم يحمل على الفساد، فيجعل الربوي في مقابلة قدره من الربوي الآخر، ويجعل الزائد في مقابلة ما زاد عن القدر المماثل.
وعلى ذلك؛ فلو كانت الجرامات العشر الزائدة، تساوي عشرة آلاف ريال: جاز ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: ولا يباع ربوي بجنسه، ومعه أو معهما، من غير جنسهما.
هذه المسألة يعبر عنها الفقهاء بـمُدِّ عجوة ودرهم.
مثال ذلك: باع تمراً بتمر، ومع كل واحد منهما دراهم، يعني باع صاعاً من تمر ودرهماً بصاع من تمر ودرهم، فلا يجوز، هذا معنى قوله: أو معهما من غير جنسهما، فهنا مع المبيعين من غير جنسهما.
وقال بعض أهل العلم: إذا كان معهما من غير الجنس جاز ولا حرج؛ لأننا نجعل الجنس مقابلاً لغير جنسه، ونسلم من الربا.
مثل ما لو بعت عليك مداً ودرهماً، بمد ودرهم، هذا ليس فيه محظور؛ لأنك إن جعلت المد مقابل المد فقد تساويا، وإن جعلت المد مقابل الدرهم فليس بينهما ربا...
مثال ثانٍ: باع صاعين من التمر بصاعٍ ودرهم من التمر، فلا يجوز؛ لعدم التماثل بين التمر.
مثال ثالث: باع درهمين بدرهم وتمر فلا يجوز؛ لأن مع أحدهما من غير جنسه...
قال العلماء رحمهم الله: هذا سداً للذريعة؛ لأن باب الربا أمره عظيم فيجب أن يسد كل طريق يمكن أن يوصل إليه.
ولكن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ نازع في هذا، وقال: إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره، وكانت هذه الزيادة تقابل الشيء الآخر، فإن ذلك جائز، ولا بأس به، والحاجة قد تدعو إليه. مثاله: باع صاعين من التمر بصاع ودرهم، والصاع الزائد في الطرف الذي ليس فيه إلا التمر يساوي درهماً، قال: هذا لا بأس به؛ لأننا نجعل الصاع الزائد في مقابل الدرهم، والصاع الثاني الذي مع الدرهم، في مقابلة الصاع الآخر، وليس في هذا حيلة إطلاقاً، والحاجة قد تدعو إلى ذلك، فقد يكون هذا الإنسان عنده تمر من السكري صاعان، وهذا عنده تمر من نوع آخر، لكن ليس عنده صاعان، عنده صاع واحد وعنده دراهم، فقال: أنا أعطيك هذا الصاع ودرهماً، والصاع يساوي الصاع الآخر لا يزيد ولا ينقص.
وما ذهب إليه شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أصح، فإذا تيقنا أنه لا ربا، وأن القيمة واحدة؛ فإنه لا بأس به ولا حرج، والشارع الحكيم لا يحرم شيئاً يتبين أنه لا ربا فيه إطلاقاً، مع أن الحاجة قد تدعو إليه" انتهى من "الشرح الممتع" (8/425).
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (22/76)، "المعاملات المالية" للدبيان (11/347).
ثانيا:
قد أحسنت بفسخ البيع واسترجاع نقودك، لأنه بيع مختلف فيه.
ولا حرج في شرائك بالنقود نفس الذهب.
والله أعلم.