أنا شخصيا أعاني من ظروف صعبة، وعندما يقول لي أحد مثلا قصة الخضر مع موسى عليه السلام أقول الله سبحانه يستطيع هداية الطفل بدل أن يقتله الخضر، مثلا: أريد المال، أو الاولاد فيقال ربما لو أغناك الله لفسدت، أنا أريد المال والهداية والأطفال يقال لك احتمال يكونون فاسقين، أنا أريد الأطفال وأن يكونوا صالحين، أريد تفصيل.
الحمد لله.
أولا:
الله على كل شيء قدير، فهو قادر أن يعطيك المال والأولاد، ولا يفسدك المال ويكون أبناؤك من الصالحين، وهذا قد ناله كثير من عباده، فلا تيأس من حصول ذلك، وسل الله من فضله.
وقد أخبر الله تعالى أنه لم يعط الناس جميعا ذلك، كما أخبر أن لم يشأ أن يهدي الناس جميعا، ولهذا كان فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وفيهم الغني والفقير، والصحيح والسقيم، وذو العيال والعقيم، وكل ذلك بعلمه وحكمته ورحمته.
ومن ذلك أن بعض الناس قد يفسده المال، ويطغيه الغني، فاقتضت رحمته ولطفه أن يبقيه فقيرا، فهذا خير للعبد من غناه مع فساده، ولم يشأ سبحانه أن يجعل الكل صالحين كما قدمنا، وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل.
قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف/32.
قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ أي: في الحياة الدنيا، والحال أن رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ من الدنيا.
فإذا كانت معايش العباد وأرزاقهم الدنيوية بيد الله تعالى، وهو الذي يقسمها بين عباده، فيبسط الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء، بحسب حكمته، فرحمته الدينية، التي أعلاها النبوة والرسالة، أولى وأحرى أن تكون بيد الله تعالى، فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
فعلم أن اقتراحهم ساقط لاغ، وأن التدبير للأمور كلها، دينيها ودنيويها، بيد الله وحده. هذا إقناع لهم، من جهة غلطهم في الاقتراح، الذي ليس في أيديهم منه شيء، إن هو إلا ظلم منهم ورد للحق." .
ثم قال: "وفي هذه الآية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا أي: ليسخّر بعضهم بعضا، في الأعمال والحرف والصنائع. فلو تساوى الناس في الغنى، ولم يحتج بعضهم إلى بعض، لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم" انتهى.
وينظر جواب السؤال رقم:(170579 )، ورقم:(71236 ).
وغلام الخضر قدر الله أن يكون كافرا، فخشي الخضر- بما علمه الله- أنه إن عاش حمل أبويه على الكفر، فلذلك قتله.
لا يقال: ولماذا لمْ يهد الله الغلام وهو قادر على ذلك، لأنا قلنا: إن الله لم يشأ أن يهدي الناس جميعا، وقدر أن يكون فيهم المؤمن والكافر.
قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ يونس/99، 100.
والعبد لا يعلم ما كتبه الله له، ولهذا كان مشروعا له أن يسأل الله من فضله، فيطلب المال والغنى والولد مع الهداية.
لكن إن ضاق حاله، أحسن الظن بربه وقال: لعله ضيق علي حتى لا يكون الغنى سببا في شقائي، ولعله علم أن الخير لي في كوني فقيرا، ولعله ابتلاني لأصبر فيعظم أجري عنده، ولعله سيأتي الفرج عما قريب، وهكذا ليصبر نفسه، ولا يقنط من رحمة ربه.
وقد روى أحمد (22338)، وأبو داود (3090) عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ السَّلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وصححه الألباني.
وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة/155 – 157.
وروى الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) عَنْ أنس رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
فنوصيك بالصبر، وإحسان الظن بالله، وسؤاله من فضله، وكثرة الاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب الغني وكثرة الولد كما قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا نوح/10-11.
وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطلاق/2-3.
نسأل الله أن يرزقك من فضله، وأن يجعل لك فرجا ومخرجا.
والله أعلم.