الحمد لله.
أولا:
يشترط لصحة البيع العلم بالمبيع والثمن؛ لما روى مسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ".
والغرر: الجهالة والمخاطرة، وما كان مجهول العاقبة.
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر: فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع، وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِم. وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة، كَبَيْعِ الْآبِق وَالْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول، وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه، وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ، وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير" انتهى.
وذهب جماعة من الحنفية إلى صحة بيع المجهول؛ ولو جهل الجنس، فضلا عن النوع.
واشترط بعضهم أن يشير إليه أو إلى مكانه.
قال ابن الهمام في "فتح القدير" (6/335): "(قوله: ومن اشترى شيئا لم يره: فالبيع جائز، وله الخيار إذا رآه. إن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده)؛ سواء رآه على الصفة التي وصفت له، أو على خلافها، مثل أن يشتري جرابا فيه أثواب هروية، أو زيتا في زق، أو حنطة في غرارة، من غير أن يرى شيئا. ومنه أن يقول: بعتك درة في كمي صفتها كذا، أو ثوبا في كمي صفته كذا، أو هذه الجارية، وهي حاضرة منتقبة؛ فله الخيار إذا رأى شيئا من ذلك.
وفي المبسوط: الإشارة إليه، أو إلى مكانه: شرط الجواز؛ حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه، لا يجوز بالإجماع انتهى.
لكن إطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع، سواء سمى جنس المبيع أو لا، وسواء أشار إلى مكانه أو إليه، وهو حاضر مستور أو لا، مثل أن يقول: بعت منك ما في كمي، بل عامة المشايخ قالوا: إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده.
وطائفة قالوا: لا يجوز، لجهالة المبيع من كل وجه.
والظاهر أن المراد بالإطلاق: ما ذكره شمس الأئمة وغيره، كصاحب الأسرار والذخيرة؛ لبعد القول بجواز ما لم يُعلم جنسه أصلا؛ كأن يقول بعتك شيئا بعشرة" انتهى.
وجاء في "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" للشيخ الدبيان (2/261) بعد ذكر الخلاف، وأن مذهب الجمهور اشتراط أن يكون الثمن والمثمن معلومين للمتعاقدين:
"والدليل على اشتراط كون المعقود عليه معلومًا، أدلة كثيرة، منها:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء: 29] ؛ فاشترطت الآية الرضا، والرضا لا يتعلق إلا بمعلوم.
ومنها: النهي عن بيع الغرر، وهو أصل متفق عليه في الجملة؛ لما رواه مسلم من طريق أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر.
ومنه ما ثبت في الأحاديث الصحيحة في النهي عن بيع الملامسة والمنابذة، وحبل الحبلة، وإنما نهي عنها لما فيها من عدم العلم بالمبيع" انتهى.
ثانيا:
بناء على ما سبق: فلا يصح شراء لوحة من لوحات، ولو كانت متشابهة، على مذهب الجمهور.
ولا ندري ما الحامل على البيع بهذه الطريقة؟
ثالثا:
يقرب البيع المذكور من بيع الأنموذج إذا كان من مال تتفاوت آحاده، وقد اختلف العلماء في صحة بيعه، فصححه الحنفية، وجعلوا الخيار للمشتري إذا رآه. ومنعه الجمهور.
وينظر: "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" (4/35).
وجه القول بعدم الصحة: أنه إذا كانت آحاده متفاوتة ، لم تكن رؤية الأنموذج دالة على رؤية باقيه، فكأنه اشترى الشيء دون علم بالمبيع، والعلم بالمبيع شرط لصحة البيع.
ولهذا لا نرى جواز شراء اللوحات مع الجهالة بما رسم فيها.
والله أعلم.