والدي تقبله اللّٰه تعالى كان يقوم ـ بفضل اللّٰه تعالى ـ بطاعات من نوافل، وحسن خلق، وأذكار، و..الخ، وتوفي، فهل إذا قلدته في تلك الطاعات يثاب عليها؟ وإذا اجتهدت وزدت عليها هل يثاب أيضاً؟ لا أسأل عن عمل دلني عليه أو أمرني به، سؤالي عن عمل رأيته يقوم به، كمثال: أبي غفر اللّٰه تعالى له كان يحب الاستماع بتمعن للقرآن، وكان يحافظ على قراءة سورة الملك قبل نومه، وكان يحافظ على الضحى .. الخ، فهل إذا فعلت مثله يثاب هو أيضا بإذن اللّٰه تعالى؟
الحمد لله.
للداعي إلى الخير مثل أجور من تبعه ، لقول رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ... رواه مسلم (2674).
والدعوة إلى الخير تكون بالقول وبالفعل، وقد كان السلف يقتدون بأقوال علمائهم وأفعالهم.
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
"عن الأعمش قال: كانوا يتعلمون من الفقيه كل شيء، حتى لباسه ونعليه ... وقال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نأتي الرجل ما نريد علمه؛ ليس إلا أن نتعلم من هديه وسمته ودله.
وكان علي بن المديني وغير واحد يحضرون عند يحيى بن سعيد القطان، ما يريدون أن يسمعوا شيئا؛ إلا ينظروا إلى هديه وسمته.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت ابن علي بن المديني يقول: رأيت في كتب أبي ستة أجزاء؛ مذهب أبي عبد الله وأخلاقه، ورأيت أحمد يفعل كذا ويفعل كذا وبلغني عنه كذا وكذا" انتهى من "الآداب الشرعية" (2/149).
فمن اقتدى بغيره في عمل خير، كان للمقتدى به مثل أجور من عمل مثل عمله اقتداء به.
فعن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِمِ الصُّوفُ، فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَئُوا عَنْهُ، حَتَّى رُؤِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ رواه مسلم (1017).
فـ "السّنّة" في هذا الحديث أول ما يدخل فيها الأعمال؛ لأن سبب الحديث هو اتباع الصحابة لذلك الرجل في إخراج الصدقة، ولم يكن هذا الرجل قد أمرهم بالصدقة، ولا بين لهم بلسانه فضلها، إنما سبقهم إلى ذلك العمل، فعملوا مثله، فكان له مثل أجورهم.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها) إلى آخره.
... وسبب هذا الكلام في هذا الحديث؛ أنه قال في أوله: ( فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها فتتابع الناس ) وكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير، والفاتح لباب هذا الإحسان" انتهى من"شرح صحيح مسلم" (7/104).
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
" وقوله: " من سن في الإسلام سنة حسنة " أي فعل فعلا جميلا فاقتُدي به، وكذلك إذا فعل فعلا قبيحا فاقتُدي به، فليجتهد الإنسان في فعل خير يلحقه ثوابه بعد موته، وليحذر من فعل شر يدركه إثمه بعد تلفه" انتهى من "كشف المشكل" (1/434).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" وقوله: (من سن في الإسلام سنة حسنة)؛ أي: من فعل فعلا جميلا فاقتدي به فيه، وكذلك إذا فعل قبيحا فاقتدي به فيه.
ويفيد الترغيب في الخير المتكرر أجره بسبب الاقتداء، والتحذير من الشر المتكرر إثمه بسبب الاقتداء" انتهى من "المفهم" (3/63).
فالحاصل؛ أنه يرجى لوالدك الثواب إن تشبهت به في أعمال الخير.
ونسأل الله الكريم لوالدك ولجميع موتى المسلمين أن يغفر لهم ويرحمهم ويكرم نزلهم.
والله أعلم.