الحمد لله.
ما قمت به من الإحسان لوالديك وإخوتك أمر طيب، ونسأل الله تعالى أن يأجرك على ذلك أحسن الحزاء.
والقاعدة فيما ينفقه الإنسان على غيره:
أنه إن فعل ذلك باتفاق على التعويض، أو الاسترداد؛ فله ذلك.
وإن فعله بلا اتفاق، لكن نوى الرجوع والمطالبة، فله ذلك أيضا.
وإن نوى التبرع عند إنفاقه: لم يجز له الرجوع؛ لأن الرجوع في الهبة محرم.
قال في "كشاف القناع" (3/414): " (وإن أنفق الشريك) على بناء حصة شريكه (بإذنه) أي إذن شريكه (أو إذن حاكم، أو) أنفق (بنية رجوع) بغير إذنهما: (رجع) على شريكه (بما أنفق بالمعروف على حصة الشريك) لأنه قام عنه بواجب (وكان) البناء (بينهما) أي بين الشريكين (كما كان قبل انهدامه) لا يختص به الباني، لرجوعه على شريكه بما يقابل حصته منه" انتهى.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/205): " لي والد يناهز من العمر حوالي خمسة وسبعين عاما، ولا زال على قيد الحياة، له بيت مبني من الطين وقديم ويقع في مكان مناسب، وقمت بهدم البيت وإعادة بنائه من جديد من المسلح على حسابي أنا ... الخ ".
وجاء في الجواب: " أما ما ذكرته من إنفاقك على بيت أبيك، فإن كنت متبرعا بذلك في قرارة نفسك وقت الإنفاق؛ فالله يأجرك، وليس لك الرجوع به على والدك، وإن كنت أنفقته بنية الرجوع فلك ذلك" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يرجع ما لم ينو التبرع، فإن نوى التبرع لم يرجع؛ لأن رجوعه مع نية التبرع رجوع في الهبة، وهو حرام، ولا يشترط أن ينوي الرجوع.
فإذا أنفق بنية الرجوع رجع بكل حال.
وإذا أنفق بنية التبرع: لم يرجع بكل حال، على القولين.
وإذا أنفق وهو لم ينو لا رجوعاً ولا تبرعاً: فعلى المذهب لا يرجع؛ لأنه يشترط أن ينوي الرجوع. وعلى ما قاله المؤلف يرجع؛ لأن الأصل أن ما أنفقه على ملك غيره: فهو له، يرجع فيه، إلا إذا عارض ذلك نية التبرع" انتهى من "الشرح الممتع" (9/ 178).
وعليه؛ فما جاء في سؤالك بيانه كما يلي:
1-فإن كنت حين دفعت لعمتك ثلث البيت، وحين بنيته: نويت الرجوع والمطالبة، سواء للأب أو لإخوتك، فلك ذلك. وإن كنت متبرعا أو لم تنو شيئا، فلا رجوع لك.
وفي حال نيتك الرجوع فإن البناء الذي بنيته يكون لك، دون حصة من الأرض، فيقوم بلا أرض، إلا الجزء الذي كان لعمتك واشتريته من مالك، فهو لك؛ إضافة لنصيبك من الإرث. ويظر جواب السؤال رقم: (193143).
2-الزيادة التي بنيتها على الأرض الزراعية، ينظر فيها ماذا نويت عند بنائها؛ لأنه لم يكن هناك اتفاق كما هو ظاهر سؤالك.
فإن كنت نويت الرجوع: فهذه الزيادة لك بأرضها، لما ذكرته من وصية الأب بأن الأرض لك، وموافقة الورثة على ذلك.
3-وكذلك الأمر في تكاليف زواج أختيك في حياة والدك، فحيث لم يكن اتفاق على الرد، كان المرجع في ذلك لما نويته، وأمر نيتك إلى الله.
واحذر الرجوع في شيء تبرعت به؛ فقد روى البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).
وفي رواية للبخاري (2622) (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ).
وروى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والله أعلم.